الدفع بالبطلان لعدم إعادة سماع الشهود أمام هيئة المحكمة الجديدة.
(١) من مبادئ المحاكمة العادلة التي نص عليها الدستور والمواثيق الدولية وقننها قانون الإجراءات الجنائية في المادة ٢٨٩ وجوب بناء الأحكام الجنائية على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه في الجلسة مستمد اقتناعة مما حصله هو ذاته لا مما حصله قاض غيرة حتي يصح القول بأنه حينما حكم في الدعوي حكم وفقا لاقتناعة الذاتي حسبما تشترط المادة ٣٠٢من قانون الإجراءات الجنائية.
ويري جمهور الفقه وقضاء النقض أنه لا يجوز الافتئات على هذا الأصل إلا إذا تنازل دفاع المتهم صراحتا أو ضمنا عن اعادة سماع شهود الإثبات أمام الهيئة الجديدة إذ في هذه الحالة فقط تكون الهيئة الجديدة في حل من اعادة سماع الشهود وتصح اجراءات المحاكمة.
ومن ثم فإن دفاع الطاعن أصلياً البراءة واحتياطياً إعادة سماع شهود الإثبات لتغيير هيئه المحكمة السابق أن استمعت إليهم يوجب علي المحكمة إجابته طالما لم تنته الي البراءة وإلا بطلت إجراءات المحاكمة والحكم الصادر فيها. اما أن تنازل دفاع المتهم عن اعادة سماع هؤلاء الشهود فلا بطلان.
(٢) وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه”لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن دفاع الطاعن طلب في ختام مرافعته أصلياً البراءة واحتياطياً إعادة سماع شهود الإثبات لتغير الهيئة وقد عرض الحكم لهذا الطلب ورد عليه في قوله ” وحيث إنه عن طلبات الحاضر عن المتهم الأول، فإن المحكمة لا ترى موجباً لإجابته لتلك الطلبات سيما وأنه بهيئة سابقة قد سمعت شهود الإثبات ….. ومن ثم ترى أن تلك الطلبات ما هي إلا تعطيل الفصل في الدعوى من جانب محامي المتهم الأول فلا يسعها إلا أن ترفض تلك الطلبات لأنها غير منتجة في الدعوى ” .
لما كان ذلك ، وكان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبني على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم ، وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه إذ إن أساس المحاكمة هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً ، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي تُوحي بها أقوال الشاهد أو لا تُوحي ، ومن التأثير الذي تُحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها ،
بما ينبنى عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشاهد ما دام سماعه ممكناً، ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً ، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ، واستقامته ، وصراحته ، أو مراوغته واضطرابه هي من الأمور التي تُعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها ،
وكان لا يجوز الافتئات على هذا الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية الواجبة الإتباع أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من القانون ذاته ، والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت ، إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ، فإذا لم تفعل ، تُوجب عليها أن تُبرر سبب عدم سماعه بأسباب سائغة
(الطعن رقم 1565 لسنة 81 جلسة 2012/10/07 س 63).
(٣) وعلي الرغم من تأيدنا لمذهب الفقه والقضاء في هذا الشأن إلا أننا نعتقد لزوم اطلاقة بمعني ان تلتزم الهيئة الجديدة باعادة سماع شهود الإثبات امامها حتي ولو تنازل دفاع المتهم صراحتا أو ضمنا عن ذلك لأن الأمر لا يتعلق بحق للمتهم يملك التنازل عنه وإنما ينصرف إلي حق للمجتمع في الا يدان بريئا إلا من خلال الاقتناع الذاتي للقاض الذي حكم بادانتة
وهذا الاقتناع لا يتحقق إلا إذا كان القاض الذي حكم ضده هو ذاته من حقق عناصر الدعوي وسمع أقوال الشهود فيها بنفسة فالمسألة تتعلق بالعدالة الجنائية وليس بحقوق الدفاع حتي يمكن القول بإمكان التنازل عنها متي صرح دفاع المتهم بهذا التنازل أو استفاد هذا التنازل ضمننا من مسلكة بأن ترافع في الدعوي واغفل طلب اعادة سماع شهود الإثبات السابق سماعهم أمام هيئة سابقة.