طبيعة الحقوق المثبتة للجنين.
إختلف الفقهاء حول طبيعة الحقوق التي تثبت للجنين، ويمكن التمييز بهذا الصدد بين عدة آراء، أهمها:
أولاً- حقوق الجنين معلقة على شرط واقف:
يرى بعض الفقه إن حقوق الجنين معلقة على شرط واقف هو تمام ولادته حيا، فاذا تم ذلك تأكدت هذه الحقوق بأثر رجعي، أيّ ليس من وقت الميلاد بل من وقت تحقق سبببها، وإن ولِدَ ميتا فهو كانه لم يكتسب هذه الحقوق في أيّ وقت من الأوقات ، وترد الاموال إلى ورثة المورث الاصلي ليس على انها تركة الجنين، بل على انها تركة هذه المورث الاصلي .
فهذا التصور يمتاز بأنه تفسير صحيح لهذه الظواهر القانونية، وذلك استنادا إلى فكرة الاثر الرجعي للشرط الواقف سواء تحقق هذا الشرط أو تخلف . ويعيب على هذا التصور انه “في الشرط الواقف تعلق الحقوق والإلتزامات بناء على ارادة المتعاقدين، والتعلق في حالة الجنين لا يرجع إلى إرادته إنما إلى حكم القانون.
وهذا علاوة على إن الشرط يعد دائما أمرا عرضيا، يمكن تصور الحق من دونه، وميلاد الجنين ليس كذلك، فهو أمر اصلي لا يتصور وجود الجنين من دونه، لهذا لا يمكن وصف حقوق الجنين قبل ميلاده بانها معلقة على شرط واقف . غير إن الشرط موجود هنا أيّضا لان الولادة، وهي الأصل كما يقول، تفترض إحتمالين: إحتمال الحياة، وإحتمال الموت، ومن ثم يعد شرطا كما يرى الفقهاء.
ثانيا: حقوق الجنين معلقة على شرط فاسخ:
اورد بعض الفقه تصورا اخر لطبيعة حقوق الجنين بجعلها معلقة على شرط فاسخ وهو عدم الولادة حيا، فاذا ولد الجنين ميتا، فإن هذه الحقوق الممنوحة له والمعترف له بها تزول تبعا لزوال شخصيته القانونية. وهذا التصور يقدر شخصية حالة الجنين وان كانت مؤقتة ؛ اذ لما كانت شخصية الجنين حالة لزم إن تكون حقوقه من الطبيعة ذاتها، أيّ حالة أيّضا.
ولما كانت هذه الشخصية مؤقتة وجب إن ينصرف هذا الوصف إلى الحقوق أيّضا. فاذا ولد ميتا زالت شخصيته المؤقتة وزال معها ما كان له من حقوق.
“إن حقوق الجنين لا تعد حالة لان وجودها ذاته معلق على ميلاده حيا. ولو كانت شخصية الجنين حالة لوجب إن يترتب على موته ما يترتب على موت الشخص العادي من انتهاء شخصيته القانونية بما يستببع ذلك من توزيع حقوقه على ورثته هو وليس على ورثة المورث الاصلي. هذا علاوة على إن الشرط الفاسخ كالشرط الواقف، كلاهما عنصر عرضي يرجع لإرادة الافراد. والأمر هنا يرتبط بإرادة المشرع ولا دخل فيه لإرادة الافراد” .
ويرى بعض الفقه انه ليست كل الحقوق المتعلقة بالجنين مرتبطة بارادة المشرع، فهي معلقة في وجودها على ولادة الجنين حيا، لانها “وفقا للتعبير الفلسفي: إن شخصية الانسان توجد “بالقوة” عندما يكون جنينا، ولكنها لاتتم “بالفعل” إلا منذ لحظة ولادته وانفصاله تاما عن أمه حيا”.
والحقوق تدور مع طبيعة هذا الوجود، ومن ثم تبقى معلقة على شرط وجودها بالفعل، وهذا الشرط أما شرط واقف تثبت الحقوق كليا بتحققه، وهو ولادة الجنين حيا. أو شرط فاسخ ينهي الحقوق بتحقق الشرط، وهو ولادة الجنين ميتا .
ثالثا: حقوق الجنين حقوق إحتمالية:
وهناك رأي ثالث يعد حقوق الجنين من قبيل الحقوق الإحتمالية، ينصب الإحتمال فيها على تمام الولادة حيا ، وهو عنصر اصيل في الحق وليس عارضا؛ اذ لا يتصور وجود الحق من دونه، وتتوزع حقوقه على مرحلتين: مرحلة كونه جنينا، وفيها تثبت له بعض الحقوق الإحتمالية حتى إذا ما بدأ المرحلة الثانية حالة خروجه إلى الحياة تأكدت الحقوق واكتملت.
ويعترض ذلك “إن الحق الإحتمالي عندما يتحقق له العنصر الذي ينقصه، يعد موجودا من وقت تحقق هذا العنصر فقط، أيّ إن الحق لا يعد ثابتا للجنين طبقا لهذا التصور إلا بتمام الولادة حيا، وليس قبل ذلك، وهذا يخالف المتفق عليه من إن الحق يثبت للجنين من تاريخ موت مورثه وليس من تاريخ ولادته” .
إلا إن انصار هذا الرأي يرون إن هذا الاعتراض يتصور فقط وفقا للنظرية التقليدية في الحق الإحتمالي، أما النظرية الحديثة في الفقه فترجع الجق الإحتمالي إلى الماضي حيث يتحقق عنصره الاصيل ، ولذلك يخلص هذا الفقه إلى إعتبار حقوق الجنين حقوقاً إحتمالية ينصب الإحتمال فيها على عنصر اصيل، هو تمام ولادة الجنين حيا. فاذا تحقق هذا العنصر عدت الحقوق ثابتة ليس من وقت الولادة، بل من وقت وفاة المورث.
وهذا النظر هو من قبيل التزيد، اذ يلاحظ إن الحقوق الإحتمالية هي الحقوق نفسها الموقوفة على شرط واقف أو فاسخ، ذلك لان الحق الإحتمالي هو حق قد يتحقق أو يزول بتحقق الأمر المستقبل أو تخلفه، وهذا الأمر المستقبل هو الشرط المتوقف عليه وجوده أو عدمه.
والواقع انه يتعين التمييز، بخصوص طبيعة حقوق الجنين، بين الحقوق المالية، مثل تلك الناتجة عن الميراث والوصية، حيث يتوقف تحقق ثبوت ملكيته لها على ولادته حيا، فاذا ولد حيا، امكن لقرابته الاستفادة منها لانها تنتقل إلى غيره عن طريق الميراث، على إن شرط الولادة حيا في هذه الحالة ليس هو الشرط كوصف عارض، تضيفه الإرادة إلى تصرف قائم ومكتمل الأركان،
وإنما هو عنصر يستلزمه القانون لترتيب اثر قانوني معين، وبين الحقوق غير المالية مثل النسب والجنسية، التي تستند في ثبوتها إلى مسائل اخرى، مثل اثبات قوة الفراش بين الزوج والزوجة بالنسبة للنسب مثلا، أيّ بمجرد ثبوت النكاح الشرعي بينهما.