أحكام المفقود وفقا للفقة والقانون المصري
دراسة حول المغفود تعريفه، أحكامه بعد تحديد مدة موته بالنسبة لزوجته وماله وإرثه، كيفية توريث المفقود، هل تتقدر مدة لوفاته، متى يبدأ اعتباره مفقوداً ؟
تعريف المفقود:
المفقود: هو الغائب الذي انقطع خبره، فلم تعرف حياته أوموته. ولا عبرة بمعرفة المكان أو الجهل به إذا كان مجهول الحياة أو الممات، فلو كان معلوم المكان، ولكنه لا تعرف حياته أو مماته فهو مفقود.
أحكامه:
للمفقود أحكام ثلاثة تتعلق بتحديد المدة التي يحكم فيها بموته بعد مضيها، بالنسبة لزوجته، وماله، وإرثه من غيره.
أما بالنسبة لزوجته:
فالمفتى به عند الحنفية: تفويض الأمر إلى رأي الحاكم، ينظر ويجتهد، ويفعل ما يغلب على ظنه أنه المصلحة، لإطلاق قول علي رضي الله عنه: «امرأة المفقود امرأة ابتليت فلتصبر، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته».
وفصل الحنابلة: فأخذوا بالرأي السابق في الغيبة التي يظن معها بقاؤه حياً، كأن خرج لسياحة أو تجارة أو طلب علم أو أداء حج في حالة الأمن، فيحكم القاضي بموته حين يغلب على ظنه أنه قد مات، وتقدير المدة متروك للقاضي.
أما إن غاب المفقود غيبة يغلب عليه فيها الهلاك، كالغيبة في أثناء حرب أو غارة أو في ميدان قتال، أو لقضاء مصلحة قريبة، فلم يعد، فيحكم القاضي بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده (1).
والراجح عند المالكية: أنه يحكم بموت المفقود بعد أربعة أعوام من يوم رفع المرأة أمرها للقضاء، فإذا انقضى الأجل اعتدت عدة الوفاة، ثم تزوجت إن شاءت.
وفي قول لدى المالكية: يفرق القاضي بين الزوجين بمضي سنة فأكثر على الغياب.
وقال الشافعية: من فقد أو أسر، وانقطع خبره، لا يحكم بموته حتى تقوم بينة بموته، أو تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، كما هو حال أقرانه.
وأما بالنسبة لأمواله:
فقد اتفق أئمة المذاهب على أن المفقود يعتبر حياً بالنسبة إلى أمواله الثابتة ملكيتها له، وفي حقوقه الأخرى، حتى تقوم البينة على وفاته، أو يحكم القاضي بوفاته، وهذا هو الجانب السلبي للمفقود، ويترتب عليه ما يأتي:
لا يقسم ماله بين الورثة، وينفق القاضي من ماله على زوجته وأصوله وفروعه فقط؛ لأن هؤلاء تجب نفقتهم عليه في حضوره وغيابه. ولا تفسخ عقوده كالإجارة التي تنفسخ بموت أحد العاقدين عند الحنفية، وينصب القاضي وكيلاً عنه بقبض ديونه وحفظ ماله.
وتحفظ أمواله إلى أن ينكشف حاله، فإن ظهر حياً، أخذ أمواله، وإن ثبت موته بالبينة الشرعية، اعتبر ميتاً من الوقت الذي يثبت أنه مات فيه، ويرثه ورثته من ذلك الوقت، وإن حكم القاضي بموته، اعتبر ميتاً من حين الحكم، ويرثه ورثته من تاريخ الحكم فقط.
والسبب في اعتباره حياً بالنسبة لماله هو استصحاب حال حياته التي كان عليها قبل الفقد، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يظهر خلافه بالدليل، فلا يورث؛ لأن شرط استحقاق الإرث تحقق موت المورث، وموته غير محقق.
وأما بالنسبة لإرثه من غيره:
فللفقهاء رأيان تبعاً لاختلافهم في حجية الاستصحاب:
فيرى جمهور الحنفية (2): أن المفقود لا تثبت له حقوق إيجابية من غيره، كالإرث والوصية من الآخرين، لا يرث من غيره ولا تثبت له الوصية من غيره؛ لأن الاستصحاب عندهم حجة للدفع لا للإثبات، أي أنه يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال، لا بقاء الأمر على ما كان، فاستصحاب حياته يفيده فقط في دفع ما يترتب على وفاته من اقتسام ماله بين الورثة، ومن فراق زوجته، وهذا هو الحق السلبي، ولا يفيده في انتقال ملكية الغير له، وهذا هو الحق الإيجابي، وبإيجاز يصلح الاستصحاب لدفع ملكية غيره لأمواله، لا لإثبات ملكيته من غيره. وعلى هذا فإنه لا يرث ولا وصية له؛ لأن شرط استحقاق الإرث والوصية ثبوت حياة الوارث والموصى له عند موت المورث والموصي، وحياة المفقود غير محققة، بل هناك احتمال أن يكون ميتاً، فهو لا يرث ولا يورث.
ويرى جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة الإمامية (3): أن المفقود يرث من غيره، وإن لم يورث؛ لأن استصحاب الحال حجة مطلقاً للدفع
والإثبات، ما دام لم يقم دليل ما نع من الاستمرار، فحياة المفقود هي الأصل الثابت، فيرث من غيره، ولا يورث عنه ماله، أي أن الاستصحاب يثبت كلا الحقين الإيجاب والسلبي، إلا أن الحنابلة أضافوا أنه يورث ولا يرث بعد مضي أربع سنين على فقده.
وأخذ القانون المصري (م 45) والسوري (م 302) بهذا الرأي، ونص المادة: «يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها، فإن ظهر حياً، أخذه، وإن حكم بموته، رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه. فإن ظهر حياً بعد الحكم بموته، أخذ ما بقي من نصيبه في أيدي الورثة».
كيفية توريث المفقود:
أـ إن كان المفقود هو الوارث الوحيد، وقفت له التركة كلها.
ب ـ وإن كان معه ورثة وارثون، قسمت التركة على افتراضين: افتراض أنه حي، وافتراض أنه ميت، ثم يوحد أصل المسألة في الحالتين، ويوقف له أفضل النصيبين، ويعطى كل وارث أسوأ النصيبين، ويحفظ ما قد يكون من فروق الأنصباء مع ما وقف للمفقود.
فإن ظهر المفقود حياً، أخذ ما وقف له.
وإن ثبت موته بعد موت مورثه بالبينة، رد نصيبه الموقوف له إلى ورثته الشرعيين.
وإن ثبت موته قبل موت مورثه، أو لم يثبت موته إلا بحكم القاضي، كان ما وقف له حقاً لورثة مورثه.
أمثلة:
1 – توفي شخص عن ابن مفقود فقط، أو عن ابن مفقود وأخوين لأم: كان المفقود هنا هو الوارث الوحيد، لأن الأخوين لأم محجوبان به، فإن ظهر حياً أخذ التركة كلها، وإلا أخذها بيت المال في الحالة الأولى، أو الأخوان لأم في الحالة الثانية.
2 – توفي رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وبنت، وابن مفقود:
أولاً ـ على فرض حياة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/ 1، أب 6/ 1، أم 6/ 1، بنت وابن هما عصبة، وأصل المسألة 24.
والسهام 3 4 4 (13)
وتصحح المسألة بضرب 3 عدد رؤوس العصبة في 24 أصل المسألة = (72).
فتكون السهام بعد التصحيح 9 12 12 39 للابن (26).
ثانياً ـ على فرض وفاة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/ 1، وأب 6/ 1، وأم 6/ 1، وبنت 2/ 1: الأصل 24.
والسهام 3، 4+1 4 12، الواحد المضاف للأب هو الباقي تعصيباً.
يحفظ للمفقود نصيبه على فرض كونه حياً وهو (26 من 72)، ويعطى لكل من الزوجة والأم نصيبهما، لعدم تغيره في الحالين، ويعطى لكل من الأب والبنت أبخس النصيبين، ويوقف الباقي. فإن ظهر المفقود حياً أخذ الموقوف له، وإن حكم بموته، كمل نصيب الأب والبنت.
3 – توفيت امرأة عن: زوج، وشقيقتين، وشقيق مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أن الشقيق حي، فيكون للزوج 2/ 1 أي (1) والشقيق مع أختيه عصبة يأخذون الباقي وهو (1)، وأصل المسألة (2)، وتصح من (8) بضرب (4) عدد الرؤوس في أصل المسألة (2).
ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوج 2/ 1 وهو (3) وللشقيقتين الثلثان، وهما (4)، فتعول المسألة إلى (7).
ثم يوحد الأصل في المسألتين بضرب أصلي المسألتين (7 × 8 = 56) فيعطى للشقيق (7 × 2 = 14) توقف له، وذلك بضرب من له شيء في الحالة الأولى بـ (7) ومن له شيء في الحالة الثانية (الوفاة) يضرب في (8).
ويعطى للشقيقتين على فرض الحياة (7 × 2 = 14) وعلى فرض الموت (4 × 8 = 32) فيعطيان (14) أسوأ النصيبين.
ويعطى للزوج على فرض الحياة (4 × 7 = 28) وعلى فرض الموت (3 × 8=24)، فيعطى (24) أسوأ النصيبين، وتوقف فروق الأنصباء، وتحفظ مع نصيب المفقود. فإن ظهر أن المفقود حي فله 14، وللزوج 4، وإن ظهر أنه ميت أخذ الأختان فرق النصيب.
4 – مات رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وابن مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أنه حي، فيكون للزوجة الثمن وهو (3 من 24)، وللأب السدس وهو (4)، وللأم السدس وهو (4)، وللابن الباقي وهو (13). ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوجة الربع وهو (6) من (24)، وللأم ثلث الباقي وهو (6)، وللأب الباقي وهو (12) سهماً، ويوقف للابن (13) سهماً. ويوجد فروق بين المسألتين في حصة الزوجة والأب والأم، ويعطى للورثة أسوأ الأنصبة، فتعطى الزوجة (3) أسهم، ولكل من الأب والأم 4 أسهم.
هل تتقدر مدة لوفاة المفقود؟
قيل: تتقدر مدة لوفاة المفقود، وقيل: لا تتقدر، وإنما يجتهد القاضي.
أما المالكية والحنابلة: فقالوا: تقدر مدة، والراجح عند المالكية أن يمضي عليه سبعون سنة، والمعتمد عند الحنابلة: أن يمضي عليه تسعون سنة، واختار القانون السوري (م 205) التحديد ببلوغ المفقود ثمانين سنة.
وأما الحنفية في ظاهر الرواية والصحيح عند الشافعية: فقالوا: لا تتقدر، ويحكم بوفاته عند الحنفية حين يموت أقرانه الذين في بلده، فلا يبقى منهم أحد.
ويجتهد القاضي بحسب تقديره عند الشافعية، بأن تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها.
متى يبدأ اعتباره مفقوداً؟
إذا ثبتت وفاة الغائب بالبينة، فإن حكم القاضي بالوفاة يستند إلى التاريخ الذي حددت البينة وفاته وإن اعتمد الحكم على الاجتهاد وغلبة الظن،
فهناك قولان:
قال أبو حنيفة ومالك: إن الحكم بموته يرجع إلى تاريخ فقدانه، فيعتبر ميتاً من تاريخ الفقد، فلا يرث ممن مات قبل الحكم، ويرث مال المفقود من كان موجوداً عند تاريخ فقدانه.
وقال الشافعي وأحمد: يعتبر ميتاً من تاريخ الحكم بوفاته، فيرث المفقود ممن مات قبل الحكم بوفاته، ويورث عنه ماله ممن كان موجوداً من ورثته عند الحكم بوفاته.
_________
(1) أخذ القانون المصري رقم 15 لسنة 1929 في حالة الغيبة التي يغلب فيها الهلاك بمذهب أحمد، وفي الحالة التي لا يغلب فيها الهلاك بقول صحيح عند الحنفية والحنابلة، فنصت المادة 21 على كلتا الحالتين:
«يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده، وأما في جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، وذلك كله بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً».
(2) أصول السرخسي: 225/ 2، مرآة الأصول: 367/ 2، كشف الأسرار: ص 1098.
(3) مختصر ابن الحاجب: ص 217، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للتلمساني المالكي: ص 189، الإبهاج للسبكي: 111/ 3، شرح المحلي على جمع الجوامع: 285/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 133، شرح روضة الناظر: 389/ 1، الإحكام لابن حزم: 590/ 5، محمد تقي الحكيم: ص 454.