دراسة قانونية حول التصرف بالاسم التجاري وما في حكمه
إن التصرف بالاسم التجاري – وما في حكمه – يبني على الكلام في التكييف الفقهي الشرعي له و قد استقر الرأي و أطمأنت النفس تماماً إلى القول بأن : الاسم التجاري حق و منفعة و مال يجري فيه الملك … و مادام ذلك كذلك فإن الأصل أن تسري فيه و تجري عليه جميع التصرفات الجارية في الأعيان.
لكن لما كان موضوع الاسم التجاري و الحكم الشرعي فيه مستجداً احتاج توثيق الحكم فيه إلى أمرين : تأصيله و تكييفه أو بيان طبيعته من جهة و إثبات إمكان تطبيق هذا التأصيل على فروع المسألة من جهة أخرى فإذا التقيا و تضافرا تأكد الاطمئنان في سلامة الحكم في أصل المسألة و من هنا كانت الحاجة إلى بيان مدى قبول الاسم التجاري لإجراء التصرفات عليه . بعد أن عرفنا تكييفه أمراً ملحاً.
فبناء على التكييف السابق نستطيع القول : إن جمهور الفقهاء على جواز بيع الاسم التجاري و إجراء التصرفات عليه بمثل ما تجري عليه الأعيان سواء بسواء مع ملاحظة أمرين :
1- اختلاف طبيعة الأعيان عن المنافع والحقوق.
2- أن يكون الاسم التجاري يعبر عن واقع حقيقي لا صوري خالياً عن الكذب و التزييف.
و بيان ذلك يتضح في جانبين أساسين يجمعان شتات الموضوع و يسوغان القول بجواز إجراء التصرفات على الاسم التجاري. وهذان الجانبان هما : كون الاسم التجاري حقاً ، و كونه مالاً .
الجانب الأول – الاسم التجاري حق :
فقد أثبتنا فيما سبق أن الاسم التجاري في حقيقته مصلحة وحق و قد رأينا اتجاه جمهور الفقهاء إلى اعتبار العلاقة الاختصاصية المباشرة بين التاجر و الاسم التجاري بحيث يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن هذا الاسم التجاري تجاه الآخرين و في ذات الوقت يمتنع على الآخرين الاعتداء على هذا الاسم ، حتى يكون الاعتداء عليه اعتداء على حق مالي متقرر مادام الاسم التجاري يمثل منفعة ذات قيمة في عرف الناس و العلاقة إذا كانت على هذا الوجه تكون في فقه الشرع علاقة حق عيني فيكون الاسم التجاري حقاً عينياً ومالياً إذ الحقوق أموال كما نص عليه المالكية سواء أكانت مالية أو غير مالية مع استثناء الحقوق التي لا تقبل التجزيء .
الجانب الثاني – الاسم التجاري مال :
إن الاسم التجاري مال لما فيه من منفعة كبرى هي أهم منافع المتجر بل إن المتجر دون هذا الاسم و الشهرة والسمعة التي تجلب الجمهور لا معنى لها و لا قيمة تجارية حقيقية فيه .
و لقد ثبت هذه المنفعة و تأكدت من تعارف الناس و التجار منهم على سبيل الخصوص على اعتبار القيمة والمنفعة في هذا الاسم التجاري فقبلوا التعاوض فيه و المعاوضة أساس الملك و الملك مال عند المالكية و نظراً لما فيه من قيمة فهو مال عند الشافعية و الحنابلة.
و بالنظر إلى كل من هذين الجانبين سواء كانا مجتمعين أو منفردين تصلح كلها أن تكون محلاً للملك فيجزي فيها – في خصوص الاسم التجاري – جريانه في غيرها من الأعيان فالملك يحقق دون النظر إلى كون محله عيناً أو منفعة أو أمراً معنوياً مادام بالإمكان حيازته و استيفاؤه أو الاختصاص به إذ الاختصاص يقوم مقام الحيازة فيما لا تقبل طبيعته الحيازة المادية كالديون و إذا كان ذلك كذلك فإن الاسم التجاري يجري فيه الملك و الاختصاص فيجوز التصرف فيه بالبيع و الهبة والوصية و ما إلى ذلك كما يجري فيه الإرث ويلزم كما يلزم ضمانه عند التلف و في الجملة يجزي فيه ما يجزي في الأعيان إذ حاله من حالها فحكمه حكمها مع مراعاة طبيعة كل منهما.
هذا هو الحكم في أصل الموضوع أما فروعه وتطبيقاته فينبغي أن يراعى فيها ما يشترط لصحة التصرف فيها من شروط.
فيراعى في بيع الاسم التجاري أن لا يترتب على هذا البيع غرر من شأنه إبطال العقد و إفساده فبيع الاسم التجاري يلزمه بيع مضمونه فيما يدل عليه من جودة و إتقان ومواصفات للسلع المشمولة في وعائه فإن انفصلت الجودة و الإتقان عن ذات الاسم التجاري كان ذلك تدليساً و غشاً لما يوقعه من توهم الجودة و لما يوقعه من تغرير و تدليس للناس في إقبالهم على ذات السلع بناء على معهودهم في هذا الاسم التجاري الذي يستوعبها . فإن البيع في هذه الحال عقد باطل لما فيه من غرر في المثمن و هو الاسم التجاري .
أم إذا انتقل الاسم التجاري مع ما يدل من جودة بضائعه و ثبات صفاته المعهودة لدى المتعاملين معه فإن تغيير صاحب الاسم التجاري لا غير من الأمر شيء فقد انفصل الاسم بمزاياه و شهرته إلى غيره فلا يترتب على هذا تدليس أو تغرير. يستوي في ذلك أن يكون محل البيع الاسم التجاري و ما يستوعبه من سلع و ملحقاتها أو بيع الاسم التجاري منفرداً مع اشتراط أن ينشىء المشتري مضموناً جديداً من السلع لهذا الاسم بذات المواصفات و الجودة المعهودة من ذي قبل . فإذا لم يكن ذلك فيجب أن يعلن التاجر أو الجهة المسؤولة للناس كافة : أن الاسم التجاري المعهود لم يعد يمثل ما كان داخلاً في مشتملا ته و وعائه و أن المشتملات قد تغيرت من حيث المواصفات و الأنواع فإن فعل ذلك ارتفع اللبس و الغرر.
شبهة وردها:
قد يقال : إنه مادام الاسم التجاري كما تقرر هو حق عيني مالي متقرر فينبغي ليصح أن يمكّن صاحبه من سلطات الملك الثلاث و هي : الاستعمال ، الاستغلال ، و التصرف .
و لا شك أن الاسم التجاري لا يمكن لصاحبه من أن يستعمله استعمالاً شخصياً فإذا تخلف عنصر من عناصر سلطة الملك الثلاث فلا يصح اعتباره محلاً للملك .
فيُـرد على هذا : بأن ( الملك في جوهره علاقة اختصاصية أو حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة كما يقول الإمام القرافي في فروقه ، والإمام السيوطي في نظائره ذلك هو مناط الملك ،و أما السلطات فآثار الملك لا عينه ، والشأن في الملك أن تكون له هذه الآثار لكن ثبوت هذه الآثار جميعها ليس مناطاً لثبوت الملك نفسه فالملك يثبت بإحداهما مادام قد تحقق مناطه و هو الاختصاص . ألا ترى إلى حق المرور هو حق متقرر لمنعة عقار على عقار آخر يثبت لصاحبه سلطة الاستعمال فقط دون الاستغلال ؟ و الوقوف عليهم للسكنى يثبت لهم حق الاستعمال كذلك دون الاستغلال ؟و هذا لا ينفي أن يكون لهم حق في ملك المنفعة على هذا الوجه)
( فلا أثر إذاً لتخلف ثمرة من ثمرات الملك على ثبوت معنى الملك نفسه فإذا كان الشأن في الملك أن تثبت سلطاته الثلاث جميعاً، لكن ذلك ليس من مستلزماته) و على هذا فلا ريب أن الاسم التجاري يثبت فيه حق الملك فيما له من سمعة و شهرة وقيمة و إن تخلف أحد سلطات الملك فيه مادام تخلفها راجعاً إلى طبيعتها و هذا لا يهدم الملك ولا ينقصه.