مقال يشرح دور النيابة الادارية في التحقق من احترام مبدأ المشروعية
تقوم النيابة الإدارية بواحد من اهم الاداور للتحقق من احترام مبدأ المشروعية من كل جهة حكومية ، و ذلك بالعمل على التأكد من مطابقة ما يتخذه الموظفون العموميون بالجهات الادارية للقواعد القانونية.
فمما لا شك فيه ان للنيابة الإدارية دور رئيسي في حماية المشروعية ؛ والمشروعية تعني ألا يتخذ الموظفون بالجهات الحكومية أي قرار او تصرف إلا إذا كان متوافقاً مع احكام القوانين واللوائح ، و النيابة الإدارية عندما تراجع اعمال الموظف العام سواء بناء على الشكاوى التى تقدم اليها من الافراد او من الموظفين انفسهم او بناء على البلاغات التى تتلقاها من الاجهزة الرقابية او من جهات الإدارة ، فإنها ستتعرض اثناء التحقيق بحكم اللزوم لمدى مشروعية القرار او التصرف الإدارى بحسبان ان تلك هى النتيجة التى تترتب تلقائياً و مباشرة ًعلى نتائج التحقيق ، إذ ان ادانة النيابة الإدارية للموظف تأديبياً مفادها عدم مشروعية قراره او تصرفه و فى المقابل فإن حفظ التحقيق معناه سلامة التصرف او القرار ، و على جهة الإدارة تصويب قرارها او تصرفها بما يتفق و نتيجة التحقيق بما يعيده الى دائرة المشروعية ، و بذلك تساهم النيابة الإدارية في صنع القرار الإداري المتزن المستمد من القواعد القانونية وإعادة صياغة العمل الادارى ، فالرأى القانونى الصائب يمثل الخطوة الأساسية للتصرف الإداري السليم ، بحيث يجنب الجهة الإدارية المشاكل التي قد تنشأ من قرارها المعيب ، وظهور آثاره السلبية على أرض الواقع سواء فى حق موظفها مما يقلل من انتمائه لجهة عمله او فى حق المواطن الذى يجب ان يحصل على الخدمات الإدارية بيسر و سهولة ، حينها تبذل الجهة الإدارية جهوداً مضنية ، وتهدر الكثير من الوقت و الجهد امام المحاكم لتصحيح آثار ذلك القرار .
و قد حرص الدستور و القانون على التأكيد على ان النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة ، والاستقلال يقوم على ثلاث ركائز أساسية وهي الحياد ، والتخصص ، وحرية الرأي و التصرف .
فحياد النيابة الإدارية معناه النأي عن التحيز للجهة الإدارية ضد الموظف ، أو التحيز لخصم دون آخر اذا كان اطراف القضية موظف عام و زميله او مواطن لجأ للنيابة الإدارية بالشكوى ضد عنت لقاه عند تعامله مع جهة الإدارة ، بحيث يصدر الرأي القانوني للنيابة الإدارية بعيداً عن الأهواء والميول.
اما تخصص النيابة الإدارية فى التحقيق و الادعاء التأديبي فهى مزية تتمتع بها منذ بداية فحص الشكوى و استظهار الحقيقة فيها و تكييفها من الناحية القانونية بتحديد ما اذا كانت تشكل مخالفة تأديبية من عدمه ثم اسنادها الى الموظف المسئول عن ارتكابها وحده دون سواه من باقى الموظفين العاملين بالمرفق العام و هو اسناد يتم بناء على ادلة سائغة مدعمة قائمة على ركائز من المستندات الدامغة و اقوال الشهود و المعاينات و التفتيش لاماكن العمل و الاماكن الخاصة إذا لزم الامر ، ثم تتولى النيابة الإدارية اعمال سلطة الاتهام التأديبي بأن تزن بمعايير موضوعية بعيداً عن الهوى و الميل مدى جسامة المخالفة التأديبية و مدى صحة مرتكبها للبقاء فى الوظيفة العامة لتقرر بناء على ذلك كله الجزاء التأديبي المناسب و الملائم ، فتقرر اما توقيع جزاء تأديبي بقرار ملزم لجهة الإدارة ، او تقرر احالة الموظف المتهم الى المحكمة التأديبية و هنا تنفرد النيابة الإدارية وحدها دون غيرها بأعمال سلطة الاتهام التأديبي امام القضاء التأديبي فتوضح للمحكمة جرم الموظف و كيفية اخلاله بواجبات وظيفته و تفند مزاعمه التى يتذرع بها فى محاولته لتبرئة نفسه ، حتى لا يفلت من العقاب التأديبي ، و تفحص حكم المحكمة التأديبية لتتحقق من صحته و من انزال الجزاء الملائم على الموظف المدان ، فإذا تبين لها وجود عيوب بالحكم تطعن عليه امام المحكمة الإدارية العليا
وهنا تأتى اهمية العنصر الثالث من عناصر استقلال النيابة الإدارية و هى حرية الرأي والتصرف بما يمكنها من أداء مهمة التحقيق و الإدعاء التأديبي بكفاءة ونزاهة ، فالنيابة الإدارية تتمتع بالقدرة على استنباط التصرف الصحيح و المضى فيه ومحاولة الوصول إلى الحق، والعدل ، دون أن يكون هناك ضغط أو تأثير من جهة الإدارة على عضو النيابة الإدارية سواء فى الاستنباط أو الفصل في الوقائع المعروضة عليه سواء بالإدانة او الحفظ ، فتتمتع النيابة الإدارية بإستقلالية فى عملها عن التأثير على قراراتها، فلا يتدخل كل من له تأثير في جهة الإدارة في قرارات النيابة ، فلا يجوز لجهة الإدارة ان تتدخل فى اعمال النيابة الإدارية بأى وجه من الوجوه ، فلا يجوز ان تطلب منها الكف عن التحقيق ، او تمنع استدعاء اى موظف مهما علت درجته الوظيفية الى التحقيق ، و لا يجوز لجهة الإدارة ان تلزم النيابة بالتصرف فى التحقيق على وجه معين ، فالنيابة الادارية تستقل بتقدير ما اذا كانت تحيل الدعوى الى المحكمة التأديبية من عدمه دون اخذ موافقة مسبقة من جهة الإدارة على ذلك ، كما ان للنيابة الإدارية ان تقرر الطعن على الحكم ان رأت وجها لذلك دون اخذ رأى جهة الإدارة .
و بذلك فإن اعضاء النيابة الإدارية هم أحد روافد العدالة ، وحماة تحقيقها ، والمدافعين عن انضباط المرفق العام و حسن سيره و عن احترام الموظفين لواجبات وظائفهم ، و دورهم القضائي يعلو بهم و بهيئتهم إلى أن تكون بحق هيئة قضائية مستقلة.
الدكتور/ اسلام احسان