بحث قانوني عن الحماية التأديبية للاموال العامة
تعد عملية حماية المال العام إحدى المتطلبات التي تستلزمها تدابير الشأن العام والحياة العامة الموكلة إلى جهة الإدارة. ومن أجل التحكم في حماية المال العام التي تتوزعها سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية, وللسيطرة على ضعف التنسيق بين الجهات المختصة بحماية المال العام لابد من إيجاد قنوات ووسائل للاتصال فيما بينها والابتعاد عن الرقابة الشكلية والحماية الشكلية وتفعيل دور الرقابة الذاتية في المرفق العام أو بين هذه الجهات وتحديد جزاءات واتخاذ تدابير عقابية ووقائية حتى نكون أمام ترجمة حقيقية وواقعية ومؤثرة على تدابير حماية المال العام وبالتالي ينعكس ذلك على دور الدولة في إدارة الشأن العام في جميع الجوانب والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإشراك المجتمع بكافة شرائحه وخاصة الإعلام والصحافة ومنظمات المجتمع المدني حتى تحمي المال العام من الفساد والعبث والتلاعب والإهمال والتقصير.
إذا كان المال العام مخصص أصلا للمنفعة العامة فان هذا لا يعني أن الأفراد يستطيعون استعماله دون تنظيم ، فمثلما يكون الانتفاع بطريق مباشر كالانتفاع بالطرق والحدائق العامة قد يتم الانتفاع به من خلال أحد المرافق العامة وهنا يجب أن يخضع الانتفاع للقواعد المنظمة لعمل المرفق ذاته. كما أن الانتفاع المباشر بالمال العام يختلف هو الآخر باختلاف الاستعمال فقد يكون الاستعمال عاماً أو مشتركا وقد يكون الاستعمال خاصاً. وبذلك تكون قد وجهت المجتمع للقيام بالأدوار الموكولة إليه في حماية المال العام كون هذه الأموال هي ملك الأمة ومن واجب الأمة المشاركة في حمايتها.
أن الأموال التي تصبح من الأموال العامة بمجرد تخصيصها بالفعل لمنفعة عامة هي الأموال المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة عملا بالمادة 87 من القانون المدني، أما الأموال المملوكة للأفراد فلا تكتسب صفة الأموال العامة بمجرد تخصيصها بالفعل للمنفعة العامة بل ينبغي أن تنتقل إلى ملكية الدولة بإحدى طرق كسب الملكية المنصوص عليها في القانون ثم تخصص بعد ذلك للمنفعة العامة، فإذا ما استولت الحكومة على عقار مملوك لأحد الأفراد جبرا عن صاحبه دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة المنصوص عليها في القانون فإن ذلك يعتبر بمثابة غصب ويظل صاحبه محتفظا بحق ملكيته رغم هذا الاستيلاء، ويكون له الحق في استرداد هذه الملكية وذلك ما لم يصبح رد هذا العقار إليه مستحيلا فعندئذ يستعاض عنه بالتعويض النقدي تطبيقا لقواعد المسئولية العامة التي تقضي بأن التنفيذ العيني هو الأصل ولا يسار إلى عوضه – أي التعويض النقدي – إلا إذا استحال التنفيذ العيني.
فالدولة يجب أن تراعي بالمنطوق والملموس مبدأ مساواة المواطنين جميعا أمام القانون في الحصول على كافة المعلومات وبصفة خاصة المال العام واحترام هذه القاعدة من قِبل الحاكم والمحكوم لكافة مسئولي السلطات التي تتكون منها الدولة في المجتمع الحديث أن تتبنى هذا التوجه وأن تجعل من مسألة الحصول على المعلومات بكامل الشفافية احد صور تدابير المال العام وتوقيع العقوبات الكفيلة لحماية هذا المال وما تصدره من تدابير سابقة ولاحقة على توقيع العقوبات من أجل الاحتراز والوقاية.
فالحماية الإدارية للمال العام تتطلب اتجاهين متساندين هما:
“حماية المال العام من الموظف العام , وحماية المال عن طريق الموظف العام “, فالحماية الأولى المتعلقة بالموظف العام كون هذا الموظف هو المتصرف بحكم مسئوليته عن هذه الأموال , وعليه أن يعمل جاهداً على المحافظة على هذه الأموال ويسخرها في خدمة المجتمع.
أما الثانية : فهي الحماية الواجبة من قبل هذا الموظف ضد أي إهمال أو تقصير يؤثر على هذا المال من قبل الآخرين .
القانون المدني باعتباره احد المصادر التي يستقي منها القانون الإداري ، وان الأموال العامة هي أموال تؤدي بالوصفة الأساسية للإدارة وهو تحقيق المنفعة العامة من خلال المرافق العامة الإدارية التي يتم تحويلها الأساسي من الأموال العامة وان الإدارة أو السلطة التنفيذية تقوم بأعمالها في الإدارة الذي يتعلق بالأعمال الإدارية. وهي التي تتعلق بإدارة المرافق العامة في الدولة وان السلطة التنفيذية من متعلقاتها الوظيفية الإدارية هو الجزء الذي يتعلق بالأموال العامة للدولة وكذلك الأموال المملوكة لها ملكية خاصة وان القانون المدني يبين النظام القانوني الذي تخضع له هذه الأموال سواء من حيث التملك أو الانتفاع.
أي انه القانون الإداري يبين الأموال العامة والنظام القانوني لها وكيفية أدارتها والانتفاع بها إلى غير ذلك ويستقي القانون الإداري تلك الحماية والنظام القانوني للأموال العامة من القانون المدني باعتباره احد مصادر القانون الإداري
كمـا وضعت التدابير اللازمة لحماية المال العام بمنع الموظف العام من ممارسة الأعمال التالية
1- أن يشتري عقارات أو منقولات مما تطرحها السلطة القضائية أو الإدارية للبيع إذا كان ذلك يتصل بأعمال وظيفته.
2- أن يزاول أو أن يكون له مصلحة في أعمال تجارية أو مقالات أو مناقصات تتصل بأعمال وظيفته.
3- أن يشترك في تأسيس الشركات أو يقبل عضوية مجالس إدارتها إلا إذا كان مندوبا عن الحكومة أو بإذن من السلطة المختصة.
4- أن يستأجر أراضي أو عقارات بقصـد استغلالها في الجهات التي تتصل بعملـه إذا كان لهـذا الاستغلال صلة بأعمال وظيفته.
أمـا التعليمات التنفيذية للموازنة العامة للدولة فقد وضعت العديد من التدابير لحماية المال العام بهدف حسن تنفيذها بصورة تضمن الحماية الكافية لهذا المال حيث هدفت إلى:
1- ضمان التنفيذ السلس للموازنة العامة وفقاً لقوانين ربط الموازنة والموافق عليها من مجلس النواب.
2- ضمان الالتزام بالسياسات الاقتصادية التي تم إعداد الموازنة على أساسها.
3- تحقيق قدر أكبر من الرقابة على مستوى الإنفاق.
4- الحرص على تحصيل الموارد العامة.
5- ممارسة أكبر قدر ممكن من الرقابة من خلال تفعيل أدوات الشفافية والمساءلة, كمـا حددت العديد من القيود والضوابط اللازمة لصرف هذه الأموال في مصارفها الرئيسية منها:
أ- أنه لا يجوز صرف أي مبلغ من المبالغ المعتمدة للجهات إلا للأغراض المخصصة من أجلها وفي إطار إعتماداتها بالموازنة, وأي أنفاق عن أنشطة أو سلع أو خدمات لم تضمها الموازنة أو بالتجاوز عن تلك الإعتمادات, تعتبر مخالفة تُعرض القائمين بها للعقوبة الشديدة وللمسائلة القانونية, بمـا في ذلك الإحالة إلى القضاء.
ب- يمنع منعا باتا المناقلة من باب إلى باب, كما لا يجوز للجهات إجراء متناقلات مهما كانت بين فصول, وبين بنود, وبين أنواع الموازنة, وأية إجراءات من هذا القبيل تعتبـر مخالفة تُعرض القائمين بها للعقوبة الشديدة وللمسائلة القانونية, بمـا في ذلك الإحالة إلى القضاء.
ج- يمنع منعا باتا قيام الجهات التقدم إلى وزارة المالية لطلبات إنفاق فردية أو جماعية وتتولى الجهة البت في ضوء ما لديها من تفويضات وفقا لإعتماداتها في الموازنة.
د- جميع الجهات مسئولة عن الاحتفاظ وإدارة الحسابات الرئيسة المحددة لها من قبل الحسابات الرئيسة وزارة المالية المتعلقة بإعداد وتنفيذ الموازنة الخاصة بها من خلال أنظمة المحاسبة المتواجدة في جميع الجهات المشار إليها.
ثمة أساليب عديدة تكفل حماية المال العام في مواجهة الأفراد.
(1) فالأموال العامة لا يجوز تملكها بالتقادم ، ذلك أنه لما كان المال العام لا يجوز التصرف فيه بنقل ملكيته للأفراد، فمن باب أولى، لا يجوز لهؤلاء اكتساب ملكيته بالتقادم، وبعبارة أخرى، إن المشرع حرم نقل ملكية المال العام إلى الأفراد، أياً كانت وسيلة ذلك النقل. وعلى ذلك، إذا وضع الأفراد يدهم لفترة معينة، مهما طالت، على جزء من المال العام للإدارة ، فإن الإدارة تستطيع حينما تنتبه استرداد هذا المال. إضافة إلى ذلك،
إن مبدأ الالتصاق – يعني دمج الأموال الأقل أهمية في الأموال الأكثر أهمية التي تلتصق بها إذا أختلف المالكون لهذه الأموال لا يسري على المال العام، حيث أن القاعدة أن المال الخاص هو الذي يتبع المال العام وليس العكس. كذلك أن الدفع بعدم جواز تملك المال العام بالتقادم دفع مقصور على الإدارة وحدها دون الأفراد، وعلى ذلك إذا ثار نزاع بين شخصين على قطعة أرض، ودفع أحدهما – بهدف استبعاد دعوى الحيازة المرفوعة عليه من خصمه – بأن هذا الأخير يحوز الأرض حيازة مؤقتة حيث أنها جزءاً من المال العام، ففي هذه الحالة، ليس للقاضي أن يقبل هذا الدفع منه، لأن الإدارة ، فقط، هي التي يكون لها أن تدفع بذلك.
(2) والأموال العامة لا يجوز الحجز عليها، فالحماية المقررة لها –التي منعت الإدارة من التصرف فيها أو كسب ملكيتها بالتقادم – تحول أيضاً دون الحجز عليها، لأن هذا الإجراء يؤدي في النهاية إلى نزع ملكية المال جبراً عن الإدارة وبيعه، كما يحدث للأموال المملوكة للأفراد.
ومن مقتضى ذلك، أنه لا يجوز إثقال المال العام بحقوق عينية تبعية ضماناً للديون التي تشغل ذمة الشخص العام كالرهن الرسمي أو الحيازي، حيث أن فائدة هذه الحقوق العينية تظهر عندما تباع أموال المدين – المحملة بها- جبراً، لأن الدائن ذا الحق العيني له الأفضلية على الدائنين الشخصيين، وهذا غير ممكن تحقيقه فيما يتعلق بالأموال العامة التي لا يمكن بيعها جبراً، إضافة إلى كل ذلك، إن القاعدة العامة التي تفترض ملاءة الدولة والأشخاص العامة – تعني حصول دائنيهم على حقوقهم كاملة.
(3) ولم يكتفي المشرع بصورتي الحماية السابقتين للمال العام في مواجهة تصرفات الأفراد، بل إنه ذهب إلى حد فرض عقوبات جنائية عديدة لمجرد الاعتداء عليه أي على المال العام، حتى ولو كان هذا الاعتداء غير جسيم. إلا أن هذه الحماية الجنائية لا يجمعها تشريع واحد، ولكنها مبعثرة في قانون العقوبات، وغيره من القوانين، والقرارات اللائحية المختلفة.
(4) وأخيراً يجب القول أن المشرع المصري مد حمايته خارج نطاق أموال الإدارة التي يعتبرها أموالاً عامة، لتشمل أموالها الخاصة، سواء كانت هذه الحماية مدنية، أو جنائية.
من بعد اتساع وظيفة الدولة الاقتصادية. وبالنسبة لوسائل الحماية القانونية للأموال العامة فقد وجدنا أن التطور في وظيفة الدولة أدى إلى ارتقاء حماية المال العام الى مرتبة النص عليها في الدستور فأصبحت نتيجة لذلك مبدأ دستوريا تبنته الكثير من التشريعات والدساتير المعاصرة، وذلك يعكس الأهمية الكبيرة والدور الخطير للأموال العامة ، باعتبارها أداة الدولة ووسيلتها الأساسية في مباشرة نشاطاتها الاقتصادية، وقد أدى ذلك التطور إلى انعكاساته البينة على صعيد التشريع العادي ولاسيما التشريع الجنائي ، ويبدو ذلك واضحا في التشديد في بعض مواد القوانين التي تنص على الحماية الجنائية للأموال العامة نظرا لخطورة هذا التعدي على الأموال العامة ومساسها بكيان الدولة.
فإذا كان المال خاصًا جاز لصاحبه أن يتصرف فيه بجميع أنواع التصرفات من بيع وإجارة وهبة، أما إذا كان المال عاما فلا يجوز التصرف فيه من الأفراد، لأنه مخصص للمنفعة العامة، وملكيته مشتركة لجميع الأفراد. وإذا كان المال خاصًا، فإن لمالكه أن يهبه للغير، وأن يبرأ مدينه منه، وأن يتبرع به كيفما شاء، أما إذا كان المال عامًا، فلا يجوز للحاكم أو نائبه أن يبرأ أحدا ولا يتنازل عنه لأحد.
والمال في عرف القانون هو كل شيء نافع للإنسان يصح أن يستأثر به وحده دون غيره، وكما يكون المال شيئا ماديا كالأعيان التي تقع تحت الحواس يكون شيئا معنويا كالحقوق التي لا تدرك إلا بالتصور؛ فالمال هو الحق ذو القيمة المالية، أيا كان ذلك الحق، سواء أكان عينيا أم شخصيا أم حقا من حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية.
فالمال إذن يكون خاصا أو عاما، ويعتبر المال عاما إذا كان مخصصا لمنفعة عامة. فتعتبر أموالا عامة، العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص. وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم. (المادة 87 من القانون المدني).
وتفقد الأموال العامة صفتها العامة بإنهاء تخصيصها للمنفعة العامة. وينتهي التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص أو بالفعل، أو بانتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة. (المادة 88 من القانون المدني), والجمعيات والمؤسسات الأهلية المشهرة هي أشخاص اعتباريـة، والشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون، فيكون له: ذمة مالية مستقلة، وأهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه، أو التي يقررها القانون. فإذا نشأ الشخص الاعتباري، واكتسب الشخصية القانونية، فإنه يصبح صالحا لاكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات، وذلك في حدود الغرض الذي أنشئ من أجله.
وتنقسم الأشخاص الاعتبارية إلى: أشخاص اعتبارية عامة وخاصة، والشخص الاعتباري العام هو في الأغلب ما تنشئه الدولة، كالمؤسسات العامة. أما الشخص الاعتباري الخاص فينشئه الأفراد، كالجمعيات والشركات. وتملك الأشخاص الاعتبارية العامة حقوق السلطة العامة وأن لها على أفرادها وعلى الغير امتيازات مستمدة من القانون العام، في حين أن الأشخاص الاعتبارية الخاصة تكون مع سواها من الأشخاص على قدم المساواة.وكذلك اعتبار جميع أموال العامة والخاصة خاضعة لهذه الحماية. وتقديرا لخطورة الأموال العامة وحمايتها في مصر وخاصة في المرحلة الراهنة وان مصر لازال في مرحلة التطور الاقتصادي،آذ أنة من المستحسن أن يكون هناك قانون خاص أو أي شكل تشريعي أخر يبين الحماية القانونية الكاملة للأموال العامة، كذلك يبين ما يعتبر من الأموال العامة وأموال الدولة ويضع معيارا يميز الأموال العامة عن الأموال الخاصة ويضع قاعدة عامة آذ ما انطبقت على أي مال في الدولة ما يعتبر مالا عاما من دون الرجوع إلى نصوص القوانين المقارنة أو القانون المدني أو قانون العقوبات إلا لغرض اعتبارهم كمصادر الاستقاء القواعد الأساسية لهذا القانون، وكذلك الوضع في القانون إشكال التصرف المشروع في تلك الأموال والجهة التي تقوم بة وأساليب ادارتة ومعاينته وتطويره، والنص كذلك على أشكال الاعتداء على تلك الأموال والعقوبات التي تكون مناسبة ومدى ضرورته للنفع العام والمجتمع. ونحن نرى تشديد تلك الحماية وخاصة الجنائية وتوسيع نطاقها وتقدير التعويضات المدنية المناسبة،لأنة الأموال العامة تحمل من الضرورات والمميزات التي تستحق من اجلها أن وضع قانون خاص لحماية الأموال العامة والوقاية من الاعتداء عليها.
الدكتور/ عادل عامر