دراسة قانونية حول طبيعة ومخاطر العمل المصرفي الاسلامي
رسالة ماجستير فى المحاسبة – كلية التجارة – جامعة المنصورة
إذا كان نشاط البنوك التقليدية يقوم على أساس نظام الفائدة والإقراض في استقطاب أموال المودعين أو عند منح القرض للمستثمرين، فإن المصارف الإسلامية ترتكز على قواعد نظام المشاركة المستمدة من ضوابط المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، فلا تتعامل بالفائدة أخذا أو عطاء، ولطبيعة عمل المؤسسات المالية فهي لا تخلو من المخاطر التي تهدد وجودها واستمرارها.
إعداد وتقديم: د. كوثر الأبجي
الطالب : علاء عواد كاظم البديري
مخاطر العمل المصرفي الإسلامي
إلا أن الطبيعة المميزة للعمل المصرفي الإسلامي جعلتها تتجاوز تشريعات وحدود العمل المصرفي التقليدي، مما أدى بها إلى الانفتاح على نوعين من المخاطر:
النوع الأول: مخاطر تشترك فيها مع نظيرتها التقليدية، وهي ناجمة عن طبيعة العمل المصرفي.
النوع الثاني: تنفرد به نتيجة النهج الذي اتبعته لأداء نشاطها، لذلك سعت المصارف الإسلامية للبحث عن أساليب وطرق تحوطية تختلف عن النموذج التقليدي الذي لا يخدم طبيعة عملها، وهو ما أدى إلى الحاجة الملحة إلى وضع إجراءات تنظيمية لضبط العلاقات بين المصرف وأصحاب المصالح من أجل تحقيق الفعالية المطلوبة وحفظ حقوق كل منهم وتمكينهم من الرقابة على الأعمال وتقييم الأداء، حيث ظهرت الحاجة إلى الحوكمة المصرفية سواء التقليدية أو الإسلامية.
كما أن التحديات المتمثلة في الأزمات المالية التي واجهت القطاع المصرفي والمالي في الولايات المتحدة وانتقلت منها إلى العالم قد أدت إلى زيادة الأعباء على عاتق المراجع الداخلي في المصارف الإسلامية، لذلك كان لابد من صياغة منهج رقابي شامل لتقييم وتحسين كفاءة وفاعلية عمل المراجع الداخلي في المصارف الإسلامية، حيث تعد أخلاقيات المراجعة الداخلية قضية صعبة ومهمة فيها لكونها ترتبط بقواعد سلوك وآداب المراجع التي تعكس مدى استجابته أخلاقياً وهو ما يوجب تطبيق الحوكمة في البنوك الإسلامية.
وتكمن مشكلة الدراسة في معرفة دور تطبيق الحوكمة من منظور إسلامي في تحسين وظيفة المراجع الداخلي حتى تتم عملية المراجعة بأفضل صورة ممكنة وبمستوى عال من الأداء في قطاع المصارف الإسلامية.
وبذلك يهدف البحث إلى إعداد إطار تكاملي مقترح مشتق من مبادئ الحوكمة التقليدية ومبادئ الحوكمة الإسلامية وقواعد لجنة بازل للعمل على تحسين عمل المراجع الداخلي في المصارف الإسلامية.
وتكتسب الدراسة أهميتها من كونها تساير التطورات الحديثة في مجال البحوث المحاسبية، حيث تركز على دراسة مبادئ الحوكمة الإسلامية وأثرها على تحسين عمل المراجع الداخلي، حيث أدت الأزمات المالية العالمية في المصارف وأسواق المال على مستوى العالم لضرورة البحث عن آليات فعالة لضمان عدم تكرارها، كذلك يعد موضوع الحوكمة الإسلامية أحد أهم الموضوعات المثارة على ساحة البحث العلمي، مما يتطلب ضرورة معرفة المبادئ الخاصة بها والعلاقة بينها وبين الحوكمة التقليدية من حيث التشابه والاختلاف.
الحوكمة من منظور إسلامي
وقد تناولت الدراسة تحقيق هدف البحث من خلال أربعة فصول تناولت الآتي:
الفصل الأول: وهو الإطار العام للبحث، ويندرج فيه طبيعة الدراسة والدراسات السابقة، ومشكلة الدراسة وأهدافها وفروضها وأهميتها وحدودها، والمنهجية المطبقة، وأخيراً خطة الدراسة، وهو ما سبق استعراضه بإيجاز.
الفصل الثاني: ويتعلق بمبادئ الحوكمة من منظور إسلامي ومدى ملاءمته لطبيعة العمليات في البنوك الإسلامية، ويتكون من مبحثين؛ يتناول المبحث الأول ماهية الحوكمة الإسلامية ومبادئها، أما المبحث الثاني فيستعرض طبيعة العمليات في البنوك الإسلامية.
وكانت نتائج هذا الفصل كما يلي:
1- تستمد قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من تجارب مجموعة من الدول بالإضافة إلى إسهامات بعض المنظمات الدولية، وبالتالي فهذه القواعد ليست ملزمة لجميع الدول، ولذلك فيجب ألا تطبق كما هي، بل لابد من إدخال بعض التعديلات عليها بما يتلاءم مع طبيعة البيئة التي تطبق فيها خاصة ما يخص الدول النامية من حيث ظروفها الخاصة.
2- لم يلق مفهوم حوكمة الجهاز المصرفي القدر الكافي من الاهتمام في الدراسات الحديثة وإن كان قد بدأ الحديث عن مبادئ حوكمة البنوك نتيجة للتطورات السريعة في الأسواق المالية وعولمة التدفقات النقدية والتقدم التكنولوجي وحدوث الأزمات العالمية.
3- هدفت المبادئ التي صدرت عن مقررات بازل سنة 1999 والمعدلة سنة 2006 إلى تحسين الحوكمة بالمؤسسات المصرفية، حيث يوجد تشابه من حيث انطلاقة كل مبدأ، إضافة إلى أن التوصيات المحدثة جاءت بمبدأ جديد يتعلق بالمخاطر التشغيلية باعتبار أن كافة الانهيارات والإفلاسات التي تعرضت لها البنوك كانت نتيجة لسوء إدارة المخاطر التشغيلية بتقديرها لمستوى المخاطر، ومنها: الإفلاس، التدليس، والغش في القوائم المالية، لذلك أكدت المبادئ المعدلة على ضرورة فهم مجلس الإدارة للهياكل الإدارية للبنك خاصة الهيكل التشغيلي.
4- تهتم الحوكمة الإسلامية بشكل أساس بالمبادئ الأخلاقية والعقائدية التي يفترض أن تكون صمام الأمان في الامتثال الجيد لمقتضيات الحوكمة مما لا يوجد نظيره في المؤسسات المالية التقليدية القائمة على ثقة القوانين الجامدة، والتي يكتسب مديروها وموظفوها المهارات التراكمية العالية في القدرة على الالتفاف وإخفاء الجرائم المالية، مما يحقق قدراً كبيراً من الحماية القانونية وعدم المساءلة والملاحقة القضائية، وكل ذلك على حساب الأطراف ذوي العلاقة بأنشطة المؤسسة المالية.
تهتم الحوكمة الإسلامية بشكل أساس بالمبادئ الأخلاقية والعقائدية التي تمثل صمام الأمان في الامتثال الجيد لمقتضيات الحوكمة
الفصل الثالث: ويناقش وظيفة المراجع الداخلي في البنوك الإسلامية ومقومات تحسينها، ويتكون من مبحثين؛ يتناول أولهما مفهوم وطبيعة وظيفة المراجع الداخلي في البنوك. ويقدم المبحث الثاني إطاراً مقترحاً لمبادئ الحوكمة الإسلامية، وقد حقق هذا الفصل النتائج الآتية:
1- تمثل المراجعة الداخلية في البنوك بشكل خاص -ومنها الإسلامية- وظيفة تقييمية مستقلة تنشأ بغرض فحص وتقييم الأنشطة التي يقوم بها البنك حيث تتعلق هذه الوظيفة بالشمولية لكل أنشطة البنك بحيث لا تقتصر على النشاط المالي فقط بل تتعداها إلى الأنشطة الأخرى غير المالية وأهمها أنشطة الحوكمة ورقابة الأداء وتقييم الأعمال وخدمات العملاء وغير ذلك من أنشطة البنك الأخرى .
2- تطورت أهداف المراجعة الداخلية واتسعت أنشطتها بالتوافق مع تطور احتياجات الأطراف الداخلية في الشركة، حيث مرت بالعديد من المراحل المتطورة، فمن أهدافها حالياً مراجعة كفاءة وفعالية عمليات المنشأة والقيام بالمراجعة البيئية والاجتماعية، ومازالت المراجعة الداخلية تحتاج إلى جهود للتقدم والرقي لتواكب بيئة الأعمال التكنولوجية وآليات الحوكمة والمخاطر المتعددة.
3- ترجع أهمية المراجعة الداخلية في البنوك خاصة البنوك التي تتسم أعمالها بالمخاطرة – ومنها البنوك الإسلامية – إلى أهمية إدارة المخاطر المصرفية، لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالبنوك الأمريكية سنة 2008 ومن أبرزها إفلاس بنك «ليمان برذرز» وهو رابع أكبر بنك استثماري أمريكي، وما ترتب عليه من خسائر ضخمة لحملة الأسهم في بورصات العالم قدرت بنحو أربعة تريليونات دولار.
4- تشمل مقومات تحسين عمل المراجع الداخلي في البنوك الإسلامية مجموعتين، المجموعة الأولى مستمدة من معايير المراجعة الداخلية ؛ وتشمل الكفاءة المهنية والموضوعية وطبيعة عمل المراجعة الداخلية، والمجموعة الثانية مستمدة من الطبيعة الخاصة لعمليات البنوك الإسلامية التي تتطلب المراجعة الشرعية في ضوء الفقه الإسلامي.
5- قدم الباحث تصوراً لإطار مقترح للحوكمة من منظور إسلامي يسهم في تحسين عمل المراجعة الداخلية في البنوك الإسلامية، حيث يجمع بين طياته مبادئ الحوكمة المطبقة في البنوك غير الإسلامية والتي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أهمها قواعد لجنة بازل، بالإضافة إلى المبادئ المشتقة من إطار الحوكمة الإسلامية في البنوك الإسلامية والتي من أهمها ما وضعه مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا لتسد ما لم تغطه المبادئ التقليدية من ثغرات، ولتحقق الرقابة الذاتية للمراجعين الداخليين وكافة العاملين مما ينعكس على تفعيل دور المراجعة الداخلية في النهوض بالمؤسسات المالية الإسلامية.
الفصل الرابع: ويتعلق بالدراسة الميدانية؛ وقد طبقت على خمسة بنوك إسلامية عاملة في مصر، وبنك واحد في العراق وتتمثل عينة الدراسة في الموظفين بقسم المراجعة والذين يشغلون وظائف إدارية عليا وكل من المراجعين الداخليين (مراجع أول، مراجع ثان، مراجع ثالث) بتوزيع مائة قائمة استقصاء، وتم جمع ثمانون منها صالحة للتحليل بنسبة ردود 80% وقد توصل هذا الفصل إلى النتائج التالية:
1- أوضح التحليل الوصفي للبيانات ارتفاع إدراك المتقصي منهم لمتطلبات تطبيق قواعد الحوكمة، وكذلك أهمية جودة المراجعة الداخلية، وأن إدراكهم لعنصر الأهلية أعلى من إدراكهم لعنصر طبيعة عمل المراجعة الداخلية والتي بدورها أعلى من إدراكهم لعنصر الموضوعية.
2- ارتفاع وزيادة إدراك المستقصي منهم إمكانية تطبيق مبادئ الإطار المقترح وارتفاع مستوى وزيادة إدراكهم لأهمية توافر مقومات تحسين عمل المراجع الداخلي.
3- يوجد ارتباط معنوي إيجابي بين مبادئ الإطار المقترح وتحسين عمل المراجع، كما يوجد ارتباط معنوي إيجابي بين مبادئ الحوكمة التقليدية ومبادئ الحوكمة الإسلامية، وقواعد لجنة بازل، ومقومات تحسين عمل المراجع الداخلي، وهي: الكفاءة المهنية والموضوعية وطبيعة عمل المراجعة الداخلية.
4- يوجد تأثير معنوي لمبادئ الحوكمة التقليدية ومبادئ الحوكمة الإسلامية وقواعد لجنة بازل على تحسين عمل المراجع الداخلي، وأن مبادئ الإطار المقترح ككل تفسر التغير الحادث في تحسين عمل المراجع الداخلي.
النتائج
أولاً – لا يوجد نموذج واحد للحوكمة يصلح للتطبيق في كل البلدان، حيث ترتبط الحوكمة بخصائص البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن الحوكمة الإسلامية تستند لمؤسسة الحسبة التي تطالب بإمساك دفاتر تعبر عن الإفصاح والشفافية والمصداقية والملاءمة وفقاً لقواعد التشريع الإسلامي.
ثانياً – تتفق أنظمة الرقابة المطبقة في المصارف الإسلامية مع قواعد لجنة بازل مع وجود اختلاف في أنظمة الرقابة المعمول بها في المصارف الإسلامية عن أنظمة الرقابة في البنوك التقليدية يعود لأسلوب عمل المصارف وخصوصية كل مصرف في التعامل، كما أن الطبيعة المميزة للمصرف الإسلامي جعلته أكثر عرضة للمخاطر من البنوك التقليدية.
ثالثاً – صاغ الباحث إطاراً مقترحاً لمبادئ الحوكمة من منظور إسلامي مشتق من الإطار العام للحوكمة في المنهج التقليدي والإسلامي يتشكل من مجموعة من المبادئ تتعلق بمراقبة الخالق سبحانه وتعالى، وسلامة الضمير، وامتداد العقيدة لتحكم السلوك والتصرفات، مع التأكيد على العدالة في العقود والمعاملات سواء كانت تخص أقلية أو أغلبية، مواطنون أو أجانب، كذلك تمتد العدالة لتضمن الحقوق في ملكية آمنة غير مهددة لكل المساهمين والمشاركين مع احترام حقوق أصحاب المصالح في ظل القاعدة الإسلامية «لا ضرر ولا ضرار»، وكل ذلك يتحقق من خلال مبادئ تتمثل في شرعية المعاملات وامتثالها للمنهج السماوي مع مراعاة الصالح العام والمجتمع والبيئة بنفس الدرجة من الأهمية، مع تطبيق مبدأ المساءلة من وجهة النظر الإسلامية، ويعني ذلك دراسة توجهات الخطأ وتقييم العيوب والمقارنة بين الخطأ والعائد المتعلق بصافي المنفعة، وهو ما يشكل مسئولية والتزام لمجلس الإدارة أمام المساهمين وأصحاب المصالح.
التوصيات
أولاً – ضرورة تفعيل الإطار المقترح للحوكمة من منظور إسلامي لكونه يسهم في تحسين عمل المراجع الداخلي في البنوك الإسلامية، وذلك من خلال ما جمعه بين طياته من مبادئ للحوكمة التقليدية التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ الحوكمة الإسلامية ومقررات بازل للرقابة المصرفية ليعمل على سد الثغرات التي لم تغطها المبادئ التقليدية، وبالتالي يخلق رقابة ذاتية من قبل المراجعين الداخليين بمراقبة أنفسهم بأنفسهم بما يضمن نجاح الحوكمة في تحقيق مراجعة داخلية فاعلة تسهم بشكل كبير في إنجاح البنوك الإسلامية وتعظم ثمرتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ثانياً – ضرورة العمل المستمر على تحسين عمل المراجع الداخلي في البنوك الإسلامية من خلال ضمان توفر العوامل الأساسية لتحقيق جودة وظيفة المراجعة الداخلية؛ كأهلية المراجعين الداخليين وموضوعيتهم، وجودة أداء عمل المراجعة الداخلية، والتفاعل الجيد بين متطلبات حوكمة البنوك ووظيفة المراجعة الداخلية.
ثالثاً – أن تعمل المصارف على تحسين إدارة المخاطر المصرفية التي تتطلب الالتزام بتطبيق المعايير الدولية لكفاية رأس المال، المراجعة الرقابية الشرعية والمحاسبية، الشفافية والإفصاح، تعزيز تطبيق الحوكمة الإسلامية، حيث إن الادارة السليمة تعد أمراً مهماً لبقاء نجاح المؤسسات المالية على المدى الطويل.
رابعاً – زيادة الإفصاح والشفافية عن المعلومات المالية وغير المالية خاصة المخاطر الحالية والمحتملة التي يواجهها المصرف، مما يحفز إدارة المصارف على تحسين ممارسة أعمالها بما يكفل تقوية أمان وسلامة القطاع المصرفي الإسلامي.
خامساً – ضرورة الالتفات إلى طبيعة العمل المصرفي الإسلامي وإلى تقدير الوظيفة الاجتماعية للمال، مما يؤكد على دور المؤسسات المالية الإسلامية وهيئات الفتوى والرقابة الشرعية بها خاصة بالجوانب الاجتماعية، والتعاون على تحصيل الزكاة وتوزيعها والتشجيع على القرض الحسن.
سادساً – ضرورة وجود هيئة مرجعية عليا تخضع لها هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تكون مهمتها الإشراف والتوجيه وتوحيد الآراء وحسم الخلاف في المسائل الشرعية، والتدخل في تعيين الأعضاء في هذه الهيئات ممن تتوفر فيهم الشروط والكفاءة والخبرة ديناً وتقوى، وتضم هذه المرجعية رؤساء هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية وعدداً آخر من العلماء المشهود لهم.
سابعاً – ضرورة إيجاد الفقيه المالي والاقتصادي المتخصص الذي يجمع بين الفقه الإسلامي والتخصص المالي .. الاقتصادي والمحاسبي، مما يحقق فوائد عديدة تعود على الهيئات الشرعية والمؤسسات المالية الإسلامية وإصدار موسوعة اقتصادية إسلامية تضم كل ما تحتاج اليه المؤسسات المالية الإسلامية من أحكام شرعية لتكون مرجعاً لهيئات الفتوى والرقابة الشرعية تستعين بها وترجع إليها متى احتاجت إلى ذلك.