إشكالايات الملاك في قانون الإيجارات المصري الجديد
صدر القانون رقم4 لسنة1996 وبدأ العمل به اعتبارا من31 يناير1996 بشأن سريان القانون المدني علي عقود الإيجار اللاحقة علي العمل به, أما عقود الإيجار القائمة والمبرمة في تاريخ سابق علي سريانه في31 يناير1996, فهي تخضع لأحكام القانونين رقمي1977/49 و1981/136, والقوانين الصادرة قبلهما( خاصة فيما يتعلق بالامتداد القانوني للإيجار وقواعد تحديد الأجرة).
وقد ترتب علي صدور القانون رقم1996/4 العديد من المشاكل القانونية التي ازدحمت بها المحاكم, ومن أهمها تلك الناشئة عن انتهاء مدة الإيجار وبقاء المستأجر بالرغم من ذلك شاغلا للعين بدون سند قانوني وبدون الوفاء بالأجرة, الأمر الذي ترتب عليه إحجام العديد من الملاك عن تأجير الأعين المملوكة لهم ولجوئهم إلي إغلاقها في وجه التأجير حتي بعد صدور القانون رقم1996/4.
لذلك كان لابد من تدخل تشريعي يحسم هذه المنازعات لتمكين الملاك من استرداد العين المؤجرة, وذلك لفتح أبواب الشقق المغلقة أمام طلبات التأجير, لحل أزمة الإسكان.
وقد تدخل المشرع وأصدر القانون رقم2006/137 بتعديل بعض أحكام القانون1996/4, ونصت المادة الأولي علي أن تضاف فقرة ثانية إلي المادة الثانية من القانون1996/4 نصها كالآتي: ويكون للمحررات المثبتة لهذه العلاقة الإيجارية وشروطها وانتهائها قوة السند التنفيذي بعد توثيقها بحضور طرفيها.. ويعمل بهذا التعديل اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره.
يتضح من هذا النص أنه إذا توافرت في عقد الإيجار الشروط التي استلزمتها هذه المادة, من توثيق عقد الإيجار, وتضمين صورة المحرر الموثق خاتم الصيغة التنفيذية, أمكن للمستفيد من أحكام هذه المادة التنفيذ الجبري بمقتضي الصورة التنفيذية للسند التنفيذي بعد إعلانها إعلانا صحيحا قبل التنفيذ, طبقا للمادتين280 و281 مرافعات.. وهذه الشروط هي:
1 ـ تحديد شروط العقد وتعيين مدته: إذ يجب أن يشتمل عقد الإيجار علي الشروط والالتزامات التي يرتبها العقد لطرفيه( المؤجر والمستأجر) مثل التزامات المؤجر من تسليم العين المؤجرة وتعهده بصيانتها.. والتزامات المستأجر مثل التزامه بالوفاء بقيمة الأجرة في الميعاد المعين بالعقد, وباستعمال العين فيما أعدت له والمحافظة عليها, والتزامه بإخلاء العين المؤجرة وردها فورا إلي المؤجر عند انتهاء المدة المعينة المتفق علي إنهاء العقد بانقضائها.
ومن أهم شروط العقد الاتفاق علي تحديد مدة الإيجار, فيجب أن تحدد مدة الإيجار في العقد تحديدا صريحا وواضحا علي ألا تزيد مدته علي ستين سنة, وأن ينص في العقد علي تاريخ بدء العلاقة الإيجارية وتاريخ انتهائها, وتبدو أهمية تحديد المدة نظرا لخطورة الآثار التي تترتب علي تاريخ انقضاء مدة العلاقة الإيجارية, ولأنه يتحدد عليها تحديد قيمة رسوم توثيق المحرر.
2 ـ توثيق المحرر( عقد الإيجار): اشترطت المادة الأولي من القانون2006/137, أن يوثق عقد الإيجار في مكاتب أو مأموريات الشهر العقاري, والتوثيق بحضور طرفي العقد( المالك والمستأجر) للتوقيع علي المحرر أمام الموظف المختص باتخاذ إجراءات التوثيق, كالتصديق علي التوقيع.. إلخ.
وتوثيق عقد الإيجار يصبح له قوة السند التنفيذي, وذلك تطبيقا للمادة280 مرافعات, حيث قررت هذه المادة أن المحرر الموثق يعتبر سندا تنفيذيا, ونصت الفقرة الأولي منها علي أنه يقصد بالسندات التنفيذية, الأحكام والأوامر والمحررات الموثقة.. والأوراق الأخري التي يعطيها القانون هذه الصفة.
إن المحررات الموثقة ـ في حكم هذه المادة ـ تعني جميع الأعمال القانونية التي يتم توثيقها في مكاتب التوثيق التابعة للشهر العقاري, والتي تتضمن التزاما بشيء يمكن اقتضاؤه جبرا, سواء كان تصرفا قانونيا ملزما للجانبين كالعقد, أم كان تصرفا ملزما لجانب واحد أم إقرارا يعتبر دليل إثبات.. إلخ( د. فتحي والي ـ التنفيذ الجبري ـ سنة1971 ـ صفحة93).
وترتيبا علي ذلك, فإن الأوراق الرسمية التي لا تتم أمام الموثق لا تعتبر سندات تنفيذية, فاصطلاح المحررات الموثقة في حكم المادة1/280 مرافعات لا يطابق اصطلاح الأوراق الرسمية بمدلول المادة10 من قانون الإثبات.
خلاصة القول انه طبقا للمادة الأولي من القانون رقم2006/137 بتعديل بعض أحكام القانون1996/4 والمادة280 مرافعات, يعتبر عقد الإيجار الموثق سندا تنفيذيا يستطيع بموجبه المستفيد من هذه النصوص, أن ينفذ الالتزامات المحددة والثابتة فيه جبرا عن الطرف الآخر, دون حاجة إلي الالتجاء إلي القضاء, إذا تضمنت صورة المحرر الموثق الصيغة التنفيذية, وتم إعلانها إعلانا صحيحا قبل التنفيذ.
3 ـ ضرورة الصورة التنفيذية: لا يكفي لإجراء التنفيذ أن يكون طالب التنفيذ صاحب حق مؤكد في عمل قانوني له قوة تنفيذية, بل يجب أن يكون بيده صورة من المحرر الموثق المثبت للعلاقة الإيجارية بعد تضمينها ختم الصيغة التنفيذية, تسمي بالصورة التنفيذية.
وقد أكدت المادة2/280 مرافعات ضرورة هذه الصورة التنفيذية بنصها علي أنه لايجوز التنفيذ ـ في غير الأحوال المستثناه بنص في القانون ـ إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية علي الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متي طلب منها, وعلي السلطات المختصة أن تعين علي إجرائه, ولو باستعمال القوة متي طلب إليها ذلك.
فتأسيسا علي ذلك, لا يجوز إجراء التنفيذ الجبري إلا بموجب الصورة التنفيذية للسند التنفيذي( المحرر الموثق) المتضمن خاتم الصيغة التنفيذية, الذي يصدر في حالة المحررات الموثقة من رئيس مأمورية الشهر العقاري, أو رئيس المكتب الذي تم فيه توثيق المحرر, أما أصل المحرر الموثق, فيبقي في مكتب الشهر العقاري.
4 ـ إعلان الصورة التنفيذية إعلانا صحيحا قبل التنفيذ: يشترط أخيرا لإتمام إجراءات التنفيذ الجبري, أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي, فيلزم إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء لكل تنفيذ جبري, ويستوي أن يكون السند التنفيذي حكما أو محررا موثقا( كعقد الإيجار الموثق), أو غيرهما من السندات طبقا للمادة280 مرافعات.
فيجب علي المالك قبل اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري, أن يعلن المستأجر بالصورة التنفيذية للسند التنفيذي, وأن يشتمل الإعلان علي تكليفه بالوفاء مع إنذاره, مثل تكليف المستأجر بالوفاء بالتزامه بإخلاء العين المؤجرة فورا وتسليمها خالية للمؤجر لانتهاء المدة المعينة المتفق علي إنهاء الإيجار بانقضائها, وبإنذاره بأنه إذا لم يف بذلك, فإن الحق سيستوفي جبرا عنه, ولكي يحقق التكليف بالوفاء هدفه, تنص المادة4/281 مرافعات علي أنه لا يجوز إجراء التنفيذ إلا بعد مضي يوم علي الأقل من إعلان السند التنفيذي, فيجب أن ينقضي يوم كامل بين إعلان السند التنفيذي وبين البدء في إجراء التنفيذ, كما يوجب القانون تسليم صورة الإعلان لشخص المدين أو في موطنه الأصلي, وإلا كان باطلا( مادة1/281 مرافعات), ويترتب علي عدم إعلان السند التنفيذي إعلانا صحيحا طبقا للقانون قبل التنفيذ, بطلان هذا التنفيذ.
فإذا توافرت جميع هذه الشروط مجتمعة, أمكن للمالك أن يستفيد من الحماية التي قررتها المادة الأولي من قانون2006/137 بتعديل بعض أحكام القانون رقم1996/4, وأن يقوم بالتنفيذ الجبري بموجب الصورة التنفيذية للسند التنفيذي( عقد الإيجار الموثق) المعلنة إعلانا صحيحا قبل اتخاذ إجراءات التنفيذ وفقا للمادتين280 و281 مرافعات.