التقادم وسقوط العقوبة الجنائية وفقا للقانون الجنائي المصري
التقادم
لكلِّ شيءٍ أجَل، كذلك العقوبات الجنائية، فإنّها لا تبقى قائمة مدى الحياة، بل لها أجَل محدّد، حيث إنّ هناك فترة زمنية معينة يحددها قانون كل دولة ينصّ على أنّه إذا لم يتمّ تطبيق العقوبة خلال هذه المدة فإنها تسقط، ولا ترتّب أيّ أثر، وتسمى هذه الفترة بالتقادم، ويعرف التقادم أنه الفترة الزمنية التي بانقضائها ينقضي الحق، وتاليًا توضيح لمفهوم التقادم، والحكمة من تقادم العقوبة الجنائية، وحديث حول سقوط العقوبة الجنائية بالتقادم.
مفهوم التقادم
هو مرور الزّمن المانع من الحق، وهذا الزمن يحدّده القانون، فإذا لم تُقَم الدعوى خلال مدة زمنيّة معيّنة فلا يجوز رفعها بعد ذلك إلى القضاء للمطالبة بالحق المتنازَع فيه، ويتبيّن من ذلك أن التقادم يعدّ أحدَ الأسباب التي ينقضي بها الحق، ويصبح هذا الحق حقًا طبيعيًّا، ويعني ذلك أنه لا يمكن المطالبة به أمام المحاكم، بل يحتكم إلى ضمير الشخص المدَّعى عليه، كذلك العقوبة الجنائية، فإنها تنقضي بعد مرور مدة معينة من الزمن، حيث إذا انقضت هذه المدة تسقط العقوبة التي يجب إيقاعها على مرتكب الجريمة؛ لأنه يجب أن تنفذ العقوبة بحق المجرم خلال مهلة معينة، وإذا انقضت هذه المدة دون أن تنفذ العقوبة أو التدبير الاحترازي يسقط الجزاء بالتقادم.
الحكمة من تقرير التقادم
إن سقوط العقوبة الجنائية بالتقادم تستند على أسس ومبررات عديدة؛ لأن التقادم لم يشرع عن عبث، فالتشريعات العربية وكذلك الغربية أخذت بالتقادم كأحد أسباب سقوط العقوبة الجنائية، والحكمة من التقادم نجملها في الآتي:
1-نسيان الجريمة: النسيان هو من النّعم التي أنعم الله بها على الإنسان، لذلك يطلق جانب من الفقه على التقادم قانون النسيان؛ لأنه عند مرور فترة طويلة على وقوع الجريمة فإن ذلك يؤدّي إلى نسيانها بالإضافة إلى نسيان آثارها، سواء من قبل أهل المجني عليه حتّى من قبل المجتمع نفسه، فتهدأ نار الغضب والإنتقام، وبعد مرور زمن طويل لا يتصور أن يطلب الرأي العام بإيقاع العقوبة بالجاني من جديد؛ لأن الجريمة وآثارها انقضت.
2-ضياع معالم الجريمة وأدلتها: فعند مرور الزمن تضيع معالم الجريمة وتختفي أدلتها، وعندها يصبح الإثبات من الأمور الصعبة التي لا يمكن القيام بها، ومن الممكن أن يموت شاهد تكون شهادته جوهريّة في الجريمة، وتصبح الأدلة ضعيفة أمام القضاء.
3-معاناة الجاني: حيث إنّ الجاني خلال هذه الفترة سيعاني خوفًا وقلقًا بسبب ارتكاب الجريمة، ويعد هذا الخوف أو القلق سببًا كافيًا لعقاب المجرم وردعه عن ارتكاب أي جريمة أخرى.
4-الاستقرار القانوني: لا يجوز أن تبقى العقوبة مدى الحياة؛ لأن ذلك يعدّ إخلالًا لمبدأ استقرار المراكز القانونية، فيجب وضع حد لذلك؛ لأن المجتمع عندما لا يوقع العقاب لمدة طويلة على الجاني فإن ذلك يعني أنه أصبح متنازلًا عن إيقاع العقاب.
سقوط العقوبة الجنائية بالتقادم
عند وقوع الجريمة يختلّ أمن المجتمع واستقراره، وكلّما مر زمن طويل على الجريمة تكون قابلة للنسيان بشكل أكبر، وبالتالي فإن تطبيق العقوبة بعد مرور مدة طويلة يعد تجديدًا للأحزان وإثارة لدوافع الإنتقام، وتعني سقوط العقوبة الجنائية بالتقادم: “مِضِيّ مدة زمنية على العقوبة الجنائية دون أن تنفذ”، وبالتالي إذا صدر حُكم بالعقوبة على شخص ما، ولا تستطيع السلطات المعنية بتطبيق الحكم بسبب هروب الجاني أو عدم العثور عليه منذ لحظة ارتكاب الجريمة.[٣] ونظرًا لاستقرار الأوضاع القانونية في المجتمع، شرعت انقضاء العقوبة بعد فترة زمنية معينة، وكل دولة من الدول حددت مدة معينة لسقوط العقوبة الجنائية بالتقادم، ويبدأ حساب مدة التقادم من لحظة ارتكاب الجريمة إلى حين المدة التي يحددها القانون، فإذا انقضت هذه المدة دون تنفيذ العقوبة، يسقط حق الدولة في إيقاع العقوبة المقررة على الجاني.