السبب المشروع في القرار الإداري وأهم الشروط لصحه السبب
شروط السبب في القرار الإداري
لابد أن يتحقق في السبب مجموعة شروط لكي يكون مشروعاً وهي :
1. أن يكون السبب موجوداً وقائماً وقت إصدار القرار الإداري.
إن هذا الشرط يتحقق بالوجود الفعلي للحالة القانونية أو المادية التي استندت إليها الإدارة في إصدارها للقرار الإداري واستمرارها إلى وقت إصداره، وهذا الشرط يتكون من شقين لابد من توافرهما معاً، ولا يجزي توافر أحداهما دون الآخر، فإذا ما تحققت الظروف المكونة لسبب القرار الإداري من الناحية الفعلية ولكنها لم تستمر إلى وقت صدور القرار، فإنه يكون معيباً بعيب عدم صحة السبب، وهذا متفق مع القاعدة العامة التي تقضي بأن تاريخ صدور القرار هو الوقت الذي يجب الرجوع إليه لتقدير مشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري، مثال ذلك تقديم طلب الاستقالة من الموظف العام إلى جهة عمله وأثناء نظر طلبه وقبل البت فيه قام بالعدول عن طلبه إلا أنه رغم عدوله وعلم جهة عمله به أصدرت قرارها بقبول استقالته، ففي هذه الحالة يكون قرار قبول الاستقالة غير قائم على سبب يبرر صدوره(1).
2. أن يكون السبب مشروعاً في القرار الإداري.
الشرط الثاني في السبب أن يكون مشروعاً أي مطابقاً للقانون، وينطبق هذا الشرط فيما لو كانت جهة الإدارة مقيدة بأسباب محددة بنص في القانون، أو كانت سلطتها تقديرية في اختيار سبب قرارها، فإذا ما حدد القانون سبباً أو أسباباً في إصدار القرار فإنه يجب على جهة الإدارة أن تلتزم بتلك الأسباب حال إصدارها قراراتها، وإلا كان قرارها معيباً لقيامه على سبب غير مشروع، وكذلك الحال بالنسبة لو كانت لجهة الإدارة سلطة تقديرية في اختيار سببها فإنه يجب أن يكون هذا الاختيار له ما يبرره من الناحية القانونية(2).
فيجب على جهة الإدارة أن تستند في إصدار قرارها على الأسباب التي حددها القانون – في حالة السلطة المقيدة – ، كما يجب أن تكون الأسباب صحيحة من الناحية القانونية ومبرره لإصدار القرار الإداري – في حالة السلطة التقديرية – ، والعبرة في تحديد مدى مشروعية السبب الذي بني عليه القرار هو بالنظر إلى السبب الحقيقي الذي صدر استناداً إليه القرار الإداري، فيجب أن يكون السبب متفقاً مع أحكام القانون، وبمعنى آخر يجب أن يستند القرار على وقائع صحيحة ثابتة(1).
وقد أوضحت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة المصري وجوب توافر هذا الشرط في السبب فقضت على أنه : ” إن قرار الحاكم العسكري العام ينبغي أن يكون له سبب، بأن تقوم حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل، وإلا فقد القرار علة وجوده ومبرر إصداره، وفقد بالتالي أساسه القانوني، كما يجب أن يكون هذا السبب حقيقياً لا وهمياً ولا صورياً، وصحيحاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجه، وقانونياً تتحقق فيه الشرائط والصفات الواجب توافرها فيه قانوناً “(2).
3. أن يكون السبب محدداً وحقيقياً في القرار الإداري :
والشرط الثالث من شروط السبب أن يقوم على وقائع ظاهرة وحقيقية ومحددة بعيداً عن العمومية والتجهيل والصورية، ولهذا الشرط أهمية ودور في تفهم صاحب الشأن للقرار الصادر في حقه وتحديد موقفه منه إما بالتظلم منه تمهيداً للطعن عليه وإما بقبوله وتنفيذه، وهذا كله ينصب في مصلحة العمل وسيره بانتظام واطراد، وكذلك له أهمية تكمن في تمكين القاضي من إعمال رقابته القضائية على القرار المطعون فيه بسهولة ويسر(3).
وإذا كان الأصل أنه يشترط أن يكون السبب حقيقياً وليس وهمياً ولا صورياً، إلا أنه يجوز لجهة الإدارة أن تعلن سبباً وهمياً وتخفى السبب الحقيقي إذا كان ذلك في مصلحة الموظف، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا ، حيث قضت بأنه : ” لا جناح على الجهة الإدارية أن هي أعلنت سبباً وهمياً للقرار الصادر بنقل المطعون ضده من السلك الدبلوماسي إلى هيئة البريد، وهو كونه زائداً عن حاجة العمل بالوزارة إخفاء منها للسبب الحقيقي وهو عدم صلاحيته لتولي وظائف السلك الدبلوماسي، ما دامت تبتغي من ذلك تحقيق مصلحة مشروعة للموظف المنقول تتمثل في حرصها على سمعته الوظيفية في الهيئة المنقول إليها، حتى تبدأ فيها صفحة جديدة منبتة الصلة بماضيه في الوظيفة المنقول منها، وعلى المحكمة أن تسلط رقابتها على السبب الحقيقي للقرار دون السبب الظاهري ولا يعد ذلك منها من قبيل إحلال سبب مكان آخر، لأن السبب في الواقع من الأمر سبب واحد لم يتبدل، وهو عدم الصلاحية لتولي وظائف السلك الدبلوماسي، أما الآخر وهو كون المطعون ضده زئداً عن حاجة الوزارة، فلا يعدو أن يكون سبباً ظاهرياً أو صورياً للقرار الإداري، قصدت الوزارة بإبرازه رعاية مصلحة الموظف المنقول “(1).
أما في حالة تعداد الأسباب في القرار الإداري وكان أحداهما صحيح دون الأخر، فإن مجلس الدولة المصري أخذ بفكرة السبب الدافع لإصدار القرار، فإن صح هذا السبب كان القرار محل الطعن صحيحاً بغض النظر عن عدم صحة سواه من أسباب يرى القاضي بأنها ثانوية لا تأثير لها على قيام القرار أو صحته، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في إلغاء قرار فصل تأسيساً على أن الأسباب الدافعة لإصداره لا تكفي لتوقيع جزاء الفصل، فقضت بأنه : ” ولئن كان للإدارة تقدير الجزاء التأديبي في حدود النصاب القانوني، إلا أن مناط ذلك التقدير يكون على أساس قيام سببه بجميع أشطاره، فإذا كان يبين ما تقدم أن عقوبة الفصل التي وقعت على المدعية، قدرت على أساس ثبوت جميع المخالفات المسندة إليها وكان من الواضح مما سلف بيانه أنه لم يقم في حقها المخالفات جميعها، فإن الجزاء الموقع والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه، كما أن الباقي من المخالفات والتي قامت في حق المدعية لا يكفي لحمل القرار ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه – في ما انتهى إليه من إلغاء القرار المطعون فيه – قد أصاب وجه الحق”(2).
وتجدر الإشارة إلى أنه تثور مسألة مدى جواز بحث القاضي الإداري عن السبب الصحيح وإحلاله محل السبب غير صحيح، ألا يشكل هذا البحث تدخلاً في عمل جهة الإدارة، علماً أن دور القاضي الإداري هو الحكم بعدم صحة القرار دون الدخول إلى أبعد من ذلك، وهذا ما أكدت عليه المحكمة الإدارية العليا في حكمها بأنه : ” لا يسوغ أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب الذي قام عليه القرار، ذلك لأن دور القاضي يقتصر على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة لإصدار قرارها …. ولا يسوغ له أن يتعداه إلى ما وراء ذلك بافتراض قيامه على أسباب أخرى يحمل عليها القرار “(3).
فالرقابة القضائية على السبب في القرار الإداري تدور حول السبب الذي ذكرته الإدارة لإصدار قرارها للتأكد من صحته، دون أن يكون لهذه الرقابة دور آخر في تغيير سبب القرار أو إحلال سبب آخر بديل محل السبب الأصلي للقرار، بيد أنه يجوز للقاضي الإداري إحلال سبب قانوني – نص عليه القانون – للقرار المطعون فيه غير السبب الذي استندت إليه جهة الإدارة في إصدار قرارها في حالة دفع الجهة الإدارية بالسبب القانوني أثناء نظر الدعوى، وهذا ما يؤيده المنطق السليم لأنه لو صدر الحكم بعدم صحة القرار، فإن جهة الإدارة ستعاود إصدار قرار بذات المضمون ولكن بالسبب القانوني، وبالتالي لا يكون ثمة جدوى من الحكم بعدم صحة القرار، وإنما الأصح هو إحلال السبب القانوني محل السبب غير القانوني في القرار المطعون فيه، أما في حالة عدم وجود دفع من قبل الجهة الإدارية مصدرة القرار، فلا يجوز للقاضي الإداري إحلال السبب القانوني محل السبب غير القانوني من تلقاء نفسه، وإنما يحكم بعدم صحة القرار بناءً على السبب المعروض أمامه في القرار المطعون فيه – لأن ذلك يعد تدخلاً في أعمال جهة الإدارة – ، تاركاً حق المدعى في الاستفادة من الحكم بعدم الصحة في القرار المطعون فيه(1).
المطلب الثاني : علاقة عيب السبب بغيره من العيوب الأخرى
بادئ ذي بدء نشير إلى أن المشرع العماني قد ذكر عيب السبب وغيرها من العيوب الأخرى للقرار الإداري، والتي يتعين أن تكون أحد أسانيد أوجه الإلغاء (عدم الصحة) في دعوى مراجعة القرارات الإدارية في المادة (8) من قانون إنشاء المحكمة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91/99، حيث أحدث المشرع العماني نقلة نوعية في التعديل التشريعي الذي أدخله في قانون إنشاء المحكمة سالف الإشارة بموجب المرسوم السلطاني رقم 3/2009(2)، عندما ذكر عيب السبب صراحة ومستقلاً وقائماً بذاته عن العيوب الأخرى من عيوب القرار الإداري والتي تؤدي إلى عدم مشروعيته والحكم بعدم صحته، حيث نصت المادة (8) منه على أنه ” يتعين أن يكون سند الدعوى في الدعاوى المتعلقة بمراجعة القرارات الإدارية، عدم الاختصاص، أو عيباً في شكل القرار، أو سببه، أو مخالفة القوانين أو اللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة “، في حين نص المادة (8) قبل التعديل هو ” يتعين أن يكون سند الدعوى في الدعاوى المتعلقة بمراجعة القرارات الإدارية، عدم الاختصاص، أو عيباً في شكل القرار ، أو إساءة استعمال السلطة، أو مخالفة القوانين أو اللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها “، حيث يقصد بمخالفة القوانين أو اللوائح عيب المحل، بينما الخطأ في تطبيق القوانين أو اللوائح يشير إلى عيب السبب.
وتجدر الإشارة إلى أنه لابد من توافر اتفاق بين عناصر مشروعية القرار قبل إصدار القرار الإداري، وللجهة الإدارية الحرية في تقدير كل منهما إلا إذا أورد القانون – بصدد أحد العناصر – شرطاً أو قيداً يتصل بظروف واعتبارات معينة، وسوف نقتصر الحديث عن علاقة عيب المحل وعيب الغاية بعيب السبب؛ لقربهما من عيب السبب، ولكون عملية اتخاذ أي قرار إنما تبدأ بالسبب وتمر من خلال المحل من أجل الوصول إلى الغرض المعين والمراد منه(1).
وفيما يتعلق بعلاقة عيب السبب بعيب المحل في القرار الإداري، فإن المحل في القرار الإداري هو موضوع القرار أو فحواه أي الأثر القانوني المترتب عليه إنشاءً أو تعديلاً أو إلغاءً لمركز قانوني معين، فصدور قرار بمعاقبة موظف عام يكمن السبب فيه بارتكاب الموظف أحد المخالفات الإدارية والوظيفية المستحقة للعقاب، أما المحل فيتمثل في الجزاء والعقاب الذي يوقع على الموظف، فالفرق واضح بين سبب القرار المتمثل في الوقائع المادية والقانونية السابقة على اتخاذ القرار والتي تدفع مصدر القرار إلى اتخاذه، أما المحل فهو الأثر القانوني الذي ينتج عن القرار فور صدوره، فهناك استقلالية بين السبب في القرار الإداري ومحله؛ فمن الجائز أن يكون سبب القرار الإداري صحيحاً إلا أن محله غير مشروع إما لكونه غير جائز أو غير ممكن قانوناً وفي هذه الحالة يبطل القرار رغم صحة سببه.
وفيما يتعلق بعلاقة عيب السبب بعيب الغاية في القرار الإداري، فيختلف سبب القرار عن غايته، فبينما يشكل السبب ركناً خارجياً يبرر إصدار القرار ويستقل عن إرادة مصدره، فإن ركن الغاية يعبر عن هدف القرار، الذي يتصل بإرادة مصدره، التي قد تنحرف عن تحقيق الصالح العام أو عن تحقيق الهدف الذي خصصه المشرع لإصدار القرار، وهنا يصبح مثل هذا القرار معيباً بالانحراف في استعمال السلطة(2).
فالقرار الإداري يمثل إرادة السلطة الإدارية في الرغبة في إحداث أثر قانوني معين هو محل القرار أو مضمونه، وانطلاقاً من اعتبارات السبب الموجود والغرض المستهدف والمراد من وراء إصداره، وعليه فإن عنصري السبب والغاية في القرار الإداري مقيدان ومحددان للإدارة؛ فرجل الإدارة يريد من وراء إصدار قراره إحداث آثار قانونية لقيام سبب معين وللوصول إلى الغرض المعين، لذا وجد تلازم واتصال وثيق بين السبب والغاية في القرار الإداري، فالمخالفة التي يرتكبها الموظف هي سبب قرار الجزاء الذي يوقع عليه، أما غاية هذا القرار هو ردع الموظف وغيره من العودة إلى ارتكاب المخالفة مستقبلاً، فلابد من تحقق الغاية أن يكون القرار ملائماً من حيث إصداره ومضمونه وشكله وأسلوب إصداره وتوقيته حتى يتحقق الهدف من القرار، فالرقابة القضائية على السبب في القرار الإداري رقابة موضوعية هدفها التحقق من الوجود المادي للسبب ومن سلامة التكييف القانوني له، أما الرقابة القضائية على غاية القرار تتطلب التعرف على قصد ونية مصدره، الأمر الذي يجعل إثباته ذا طابع ذاتي ومختلف عن بقية العيوب التي تشوب القرار الإداري(1).
ولذا فإن دور السبب في القرار الإداري هو توجيه القرار لتحقيق غرضه المشروع – غرض الصالح العام – وليس مجرد حالة نفسية لدى رجل الإدارة وإنما هو حالة واقعية أو موضوعية تتمثل في صدور القرار استجابة لمتطلبات الحياة الواقعية واحتياجاتها، ولذلك فإنه إذا قام القرار على سببه الحقيقي فإن ذلك يعني بالضرورة أنه سيحقق غرضه المحدد، وذلك بغض النظر عن البواعث التي تثور في نفس رجل الإدارة حتى ولو كانت غير مشروعة، إما إذا اتجه القرار لتحقيق غرض غير الواجب استهدافه فإن ذلك يفيد بالضرورة أن رجل الإدارة قد عمد في قراره إلى تأكيد قيام سبب غير موجود أم إلى المبالغة في تقدير أهمية وخطورة هذا السبب، فالعيب الذي يشوب الغاية مصحوباً دائماً بوجود عيب في السبب، ولكن عيب السبب لا يعني حتماً وجود عيب في الغاية، وذلك عندما تخطيء الإدارة في تقرير وجود السبب أو تحديد أهميته، دون أن تستهدف مع ذلك غرضاً آخر غير الواجب عليها استهدافه(3).
ونشير في خاتمة هذا المطلب أنه على الرغم من العلاقة الوطيدة والوثيقة بين عيب السبب وعيب الغاية في القرار الإداري، بحيث تؤدي الأسباب والوقائع الصحيحة والقانونية التي يقوم عليها القرار إلى توجيه مصدر القرار لتحقيق المصلحة العامة أو الغاية التي خصصها المشرع من أجل صدور القرار، إلا أن هناك استقلال بين هذين العيبين، حيث يتمثل عيب السبب في القرار الإداري في ثلاث صور هي صحة الوقائع المادية التي يقوم عليها القرار، وصحة تكييفها القانوني، وتقدير خطورة السبب، ولعيب السبب طبيعة موضوعية منبتة الصلة عن مصدر القرار، في حين يتمثل عيب الغاية في القرار الإداري في العديد من الصور هي مجانبة القرار للمصلحة العامة التي يجب أن يستهدفها كل قرار، كتحقيق هدف شخصي لمصدر القرار أو لغيره، أو هدف حزبي أو سياسي أو كان الهدف من القرار الانتقام والتشفي من شخص يكن له مصدر القرار العداء، أو مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف والتي تعني أنه يجب أن يستهدف القرار الغاية التي حددها المشرع في القانون، ويعتبر عيب الغاية من العيوب القصدية التي تتصل بنفس وقصد مصدر القرار؛ ولذلك يتسم إثبات هذا العيب بغاية من الصعوبة، إذ لابد من إقامة القرائن على إساءة استعمال السلطة في القرار، وبالتالي يعتبر هذا العيب من العيوب الاحتياطية التي لا يتم اللجوء إليه استقلالاً، وإنما يتم الاستناد إليه مع العيوب الأخرى من عيوب القرار الإداري….