بحث حول حقوق المرأة في قانون الاحوال الشخصية المصري
مقدمة:
تستمد أحكام الأحوال الشخصية في مصر من الشريعة الإسلامية. ومنذ بدايات القرن العشرين والمشرع المصري لم يتوقف عن تعديل قوانين الأحوال الشخصية لمسايرة التطور في العلاقات الاجتماعية وإقرار المزيد من الحقوق الإنسانية للمرأة، ومحاولة إقامة التوازن العادل بين الرجل والمرأة في مجال العلاقات الأسرية. وكانت تلك الجهود تواجه بالكثير من العقبات التي ينجم أغلبها عن سوء الفهم لطبيعة ومضمون المساواة بين الجنسين، أو عن ثقافات تعتنق مفهوم التمييز وتحاول ترسيخه عن طريق محاربة كل تغيير في القوانين يهدف إلى إنصاف المرأة ورفع بعض الظلم عنها، أو عن خلط متعمد بين الأحكام الشرعية الملزمة والآراء الفقهية الاجتهادية في المسائل الاجتماعية المتغيرة بطبيعتها.
يوجد نوعان من القواعد في مجال الأحوال الشخصية:
1- القواعد الموضوعية، وينظمها أساساً القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية، والمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، ثم القانون 100 لسنة 1985، وبعض الأحكام في قوانين أخرى متفرقة.
2- القواعد الإجرائية، ويتضمنها أساساً القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، والقانون رقم 10 لسنة 2004 الذي أنشأ محاكم الأسرة.
وتصدر الأحكام القضائية في منازعات الأحوال الشخصية طبقاً لقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة. وتصدر الأحكام في منازعات الأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة طبقاً لشريعتهم فيما لا يخالف النظام العام (م3 من قانون 1 لسنة 2000).
وليس من اليسير تناول كل مسائل الأحوال الشخصية في هذا الكتيب. لذلك نكتفي بما يتعلق بالزواج، ونتناوله من محورين: الأول يتعلق بأحكامه في هذا الكتيب، والثاني يتعلق بإشكالياته في كتيب مستقل.
حقوق المرأة في مجال أحكام الزواج
الحق في الزواج:
الزواج عقد يبيح استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات. وقد حدد القرآن الكريم أغراض الزواج في قوله تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾.
والحق في الزواج من حقوق الإنسان يتمتع به الرجل والمرأة. وقد نصت الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على الحق في الزواج وتكوين أسرة للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج على قدم المساواة. ولم يرد في الدستور المصري لسنة 1971 نص يقرر حق الزواج واختيار الزوج، ونأمل أن يتم ذلك في مشروع الدستور الذي تجرى صياغته. لكن عدم النص على هذا الحق في الدستور لا يعني إنكاره، لأن حق الزواج وما يرتبط به من حق في اختيار الزوج يعد من لوازم الحرية الشخصية والحق في الخصوصية، وقد كفلهما الدستور.
أولاً: مقدمات الزواج – الخطبة:
– الخطبة تمهيد للزواج، ولا توجد إجراءات خاصة بها، وتخضع لأعراف كل فئة من فئات المجتمع. والتعريفات الفقهية السائدة للخطبة تجعلها من جانب الرجل للمرأة عندما يبدي رغبته في الزواج منها، لكن الشرع منح حق الخطبة لكل من الرجل والمرأة، فكلاهما يمكن أن يكون خاطباً بنفسه أو بوكيله، ويعد ذلك من أوجه المساواة الإسلامية بين الجنسين يغفل عنه كثيرون ممن يتناولون موضوع الخطبة.
– الخطبة ليست ركناً من أركان الزواج، ولا هي شرط من شروط صحته، فلو تم الزواج من دون خطبة انعقد صحيحاً. وقد قررت محكمة النقض أن الخطبة ليست إلا تمهيداً لعقد الزواج أو وعداً بالزواج لا يقيد أحداً من المتواعدين. ومع ذلك يفضل اللجوء إليها لتحقيق الغاية منها، وهي إتاحة الفرصة لكل طرف من الطرفين للتعرف على الآخر حتى يقدم على الزواج عن معرفة حقيقية فيحدث التوافق وتتأكد المودة.
– يجوز العدول عن الخطبة باتفاق الطرفين أو بناء على رغبة أحدهما، لكن العدول عن الخطبة لغير مصلحة ظاهره مكروه لما فيه من عدم الوفاء الوعد. وفي حالة العدول عن الخطبة يجب رد المهر بعينه إن كان قائماً أو رد مثله أو قيمته يوم تقديمه إن كان قد هلك أو استهلك. كما يجب رد الهدايا إن كانت موجودة، رضاء أو قضاءً، أما إن كانت قد هلكت أو استهلكت، فلا يجب ردها.
– ولا يستحق التعويض بسبب العدول عن الخطبة في ذاته، لأنه حق واستعماله لا يوجب المسؤولية والتعويض. لكن إذا تسبب العدول عن الخطبة في إلحاق الضرر بأحد الطرفين، وجب التعويض عن هذا الضرر متى كانت هناك أفعال مستقلة عن العدول ألحقت هذا الضرر بأحد الخاطبين على أساس المسؤولية التقصيرية. مثال ذلك أن تكون المخطوبة طالبة علم أو موظفة واشترط عليها خطيبها أن تقر في بيتها بمجرد الخطبة فأطاعته، ثم عدل عن الخطبة دون مبرر مشروع، فيعد ذلك خطأ موجباً للمسؤولية والتعويض.
ثانياً: أركان عقد الزواج وشروطه:
أ- أركان عقد الزوج: ركنا الزواج عند الحنفية هما الإيجاب والقبول، والإيجاب هو ما صدر من الزوجة أو وكيلها دالاً على إرادة إنشاء العقد، والقبول هو ما صدر عن الزوج أو وكيله دالاً على موافقة الإيجاب.
ولا يعد التوثيق ركناً من أركان الزواج. والتوثيق معناه إثبات الزواج في وثيقة رسمية تسجل بسجلات الدولة ويمكن الرجوع إليها عند الاقتضاء. والغرض من توثيق الزواج حفظ حقوق الزوجين وثبوت نسب الأطفال الذين يولدون من الزواج. ويتم التوثيق بمعرفة موظف عام يختص بإثبات انعقاد الزواج، هو المأذون للمسلمين والقس للمسيحيين أو مكتب التوثيق بالشهر العقاري لمختلفي الديانة أو الجنسية. ويجب أن يوقع الزوجان أمام الموظف المختص على النموذج المعد لإثبات انعقاد الزواج (وثيقة زواج). ويجب أن يحتفظ كل من الزوجين بنسخته من وثيقة الزواج، خصوصاً الزوجة حيث لا تقبل أي دعوى من دعاوى الزوجية إذا لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية يقدمها رافع الدعوى.
ب- شروط عقد الزواج:شروط عقد الزواج الشرعي متنوعة، فمنها شروط الانعقاد، ومنها شروط الصحة، ومنها شروط النفاذ، ومنها شروط اللزوم، ومنها أخيراً الشروط القانونية لتوثيق الزواج رسمياً. وهذه الشروط القانونية لا تمنع صحة العقد شرعاً، لكنها متطلبة لإمكان إبرام عقد الزواج الرسمي بواسطة الموظف المختص.
هذه الشروط القانونية مستحدثة، ويجب التوعية بها لأنها تضمن حقوق المرأة والرجل، ويقصد منها التأكد من قدرتهما على تحمل مسؤولية الزواج، ومعرفة كل طرف بما يترتب على الزواج من التزامات وحقوق لكل من الطرفين. ونوجز هذه الشروط فيما يلي:
1- بلوغ السن القانونية لتوثيق الزواج: يلزم لتوثيق عقد الزواج منذ صدور القانون رقم 126 لسنة 2008 بلوغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة للذكر والأنثى. فلا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت إنشاء العقد. ويترتب على هذا الشرط:
– وجوب امتناع الموثق المختص عن توثيق عقد الزواج رسمياً إذا كان أحد الجنسين (الذكر أو الأنثى) لم يبلغ السن القانونية وقت التوثيق (18 سنة ميلادية).
– عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج إذا كان سن أحد الزوجين أقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت رفع الدعوى.
– يعاقب تأديبياً وجنائياً الموثق الذي يوثق زواجاً إذا كانت سن أحد الزوجين أقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، أو الذي يثبت في وثيقة الزواج سناً غير السن الحقيقية لأحد الزوجين.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 جرت محاولات لتخفيض سن الزواج للفتيات، ينبغي التصدي لها، حرصاً على مصلحة الفتيات من الناحية الصحية وضماناً لحقهن في التعليم. ونلاحظ أن تخفيض سن زواج الفتاة عن الثامنة عشرة يخالف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وكلاهما تحظر خطوبة الطفل أو زواجه، والقانون المصري يعتبر كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره طفلاً تحظر الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر زواجه.
2- إجراء الفحص الطبي: أضيف هذا الشرط بالقانون رقم 126 لسنة 2008 إلى قانون الأحوال المدنية (م31 مكرراً). ومقتضى ذلك أنه يمتنع على الموثق توثيق عقد الزواج قبل إتمام الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص. وواضح أن المطلوب هو إجراء الفحص الطبي ليكون كلا الطرفين على بينة من حالة الطرف الآخر، والمحظور هو توثيق عقد الزواج قبل إجراء الفحص الطبي، أما إذا تم الفحص، فلا يجوز للموثق الامتناع عن توثيق عقد الزواج أياً كانت نتيجته إذا أصر الطرفان – عن بينة كاملة – على التوثيق. ويعاقب تأديبياً الموثق الذي يوثق زواجاً قبل إجراء الفحص الطبي أو من دون إجراء هذا الفحص.
ويلزم توعية المقبلين عل الزواج بأهمية هذا الفحص وضرورة القيام به فعلياً تحقيقاً لفوائده. وقد جرى العمل على استصدار الشهادة الطبية دون إجراء الفحص المطلوب، ويقوم الموثق بتوثيق الزواج رغم علمه بعدم إجراء الفحص، وقد يتولى استيفاء الشهادة الطبية بنفسه باعتبارها جزءاً من الأتعاب التي يحصل عليها.
3- إقرار الزوج بحالته الاجتماعية: تقرر هذا الشرط بالقانون 100 لسنة 1985 الذي أضاف نص الفقرة الأولى من المادة 11 مكرراً للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، ونصها: “على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول”.
ويعاقب الزوج الذي يدلي ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية أو محال إقامة زوجته أو زوجاته بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما يعاقب الموثق الذي يمتنع عن الإخطار بالحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيهاً، ويجوز الحكم بعزله من وظيفته أو وقفه عن عمله لمدة لا تجاوز سنة.
والغرض من هذا الإقرار تمكين الزوجة الأولى من طلب التطليق بسبب زواج زوجها بأخرى دون موافقتها بعد إثبات الضرر المادي أو المعنوي الذي لحق بها من جراء الزواج الجديد، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها منه ألا يتزوج عليها. ويكن للزوجة الجديدة التي لم تعلم أن زوجها متزوج بسواها أن تطلب التطليق بعد علمها بذلك.
4- شروط خاصة في عقد الزواج الجديد: تنص المادة 33 من لائحة المأذونين على وجوب أن يبصر المأذون الزوجين بما يجوز لهما الاتفاق عليه في عقد الزواج من شروط خاصة، منها:
– من تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية.
– من يكون له حق الانتفاع وحده بمنزل الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة.
– عدم اقتران الزوج بأخرى إلا بإذن كتابي من الزوجة.
– رصد مبلغ مقطوع أو راتب دوري يدفعه الزوج لزوجته إذا طلقها بدون رضاها.
– تفويض الزوجة في تطليق نفسها.
وذلك كله فيما يزيد على الحقوق المقررة شرعاً وقانوناً ولا يمس حقوق الغير. وعلى المأذون أن يثبت ما تم الاتفاق عليه من المسائل السابقة أو أي اتفاق آخر لا يحل حراماً أو يحرم حلالاً في المكان المعد لذلك بوثيقة الزواج. ويعاقب المأذون تأديبياً إذا لم يبصر الزوجين، أو إذا امتنع عن إضافة الشروط التي يطلب منه الزوجان إثباتها في وثيقة الزواج. كما يعاقب المأذون جنائياً عن تزوير بطريق الترك إذا امتنع عمداً عن إثبات ما كان يتعين عليه إثباته في وثيقة الزواج بناء على طلب أحد الزوجين أو كلاهما.
ولا يوجد في القانون جزاء على مخالفة أحد الزوجين لشرط من الشروط الخاصة التي تم الاتفاق عليها وتدوينها في وثيقة الزواج. والراجح عند الحنفية أنه لا أثر لمخالفة الشرط المتفق عليه، لكن الحنابلة يرون جواز فسخ عقد الزواج إذا لم يوف الزوج بالشروط الصحيحة التي يتضمنها العقد عملاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “المسلمون عند شروطهم”، ورأي الحنابلة يحقق مصلحة الأسرة والمجتمع بحث الزوجين على الالتزام بشروط العقد الصحيحة للحفاظ على كيان الأسرة وحماية حقوق المرأة.
5- أثر عدم إثبات الزواج بوثيقة رسمية: نصت المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 على أنه: “لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج …. ما لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأي كتابة”.
يترتب على عدم وجود الوثيقة الرسمية طبقاً للنص السابق:
– عدم قبول كافة الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج عند الإنكار فقط. أما إذا حدث اعتراف بالزوجية، وتوفر شرط السن، فإن الدعوى تقبل.
– يشمل عدم القبول كافة الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج، كدعاوي المهر والنفقة والطاعة والميراث، وثبوت الزوجية والإقرار بها.
– يتبين من ذلك أن عدم إثبات الزواج في وثيقة رسمية يلحق ضرراً جسيماً بحقوق المرأة التي لا تستطيع أن تطالب بحقوقها من دون الوثيقة الرسمية فيما عدا الحق في طلب الطلاق أو الفسخ من الزواج العرفي متى كان الزواج ثابتاً بأي كتابة، ولو لم تكن رسمية، وهو ما سوف نتناوله في كتيب قادم.
ثالثاً: الحقوق المالية للزوجة
الحقوق غير المالية للزوجة تتمثل في عدم الإضرار بها وحسن معاشرتها، والعدل بين الزوجات إن تعددن. وعدم الإضرار بالزوجة وحسن معاشرتها ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المؤكدة، ويقصد به حفظ حقوق الزوجة وعدم ظلمها، وحظر التعدي عليها أو إهانتها بالقول أو الفعل، وحظر الاعتداء على مالها. ومن صور الإضرار بالزوجة استعلاء الزوج عليها والحط من قدرها والتعدي عليها بالضرب ونحوه من أنواع الإيذاء.
أما الحقوق المالية للزوجة فهي الحق في المهر، والحق في نفقة الزوجية، والحق في مسكن الزوجية.
أ – حق الزوجة في المهر:
1- تعريف المهر وحكمه:
المهر مال يجب شرعاً للزوجة على زوجها بمقتضى عقد الزواج. ويطلق عليه “الصداق” في عرف الناس لدلالته على صدق رغبة الزوج في الزواج.
والمهر ورد ذكره في القرآن الكريم، والسنة النبوية الفعلية والقولية، وأجمع فقهاء المسلمين على مشروعية المهر ووجوبه على الزوج.
والمهر حق للمرأة واجب على الزوج تكريماً لها، وليس ثمناً للاستمتاع بها كما قد يراه بعض الناس. لأنه مما يتنافى مع كرامة المرأة وإنسانيتها اعتبار المهر مقابل الاستمتاع بها، فهو ليس كذلك بدليل:
– وجوب نصف المهر للمرأة إذا طلقت بعد انعقاد العقد وقبل الدخول بها، فلو كان المهر مقابل الاستمتاع، لما وجب لها أي قدر منه إذا طلقت قبل الدخول لعدم حصول الاستمتاع.
– أن الاستمتاع في الزواج لا يكون من جانب الرجل وحده، بل هو استمتاع متبادل بين الزوجين. فإذا اعتبر المهر مقابل الاستمتاع بالمرأة، لما وجب لها مهر على الإطلاق.
والمهر ليس ركناً في عقد الزواج ولا شرطاً من شروط صحته، فيصح عقد الزواج ولو لم ينص في العقد على مهر أو نص فيه على مهر صوري.
2- مقدار المهر: لا يوجد حد أقصى للمهر، لكن من المستحب شرعاً عدم المغالاة في المهور، تيسيراً على الناس، وتشجيعاً للشباب على الزواج. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “خير الصداق أيسره”، وقوله “إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة”.
أما الحد الأدنى للمهر، فقد حدده فقهاء الحنفية بعشرة دراهم استناداً إلى حديث شريف، وهي تساوي خمسة وعشرون قرشاً، وهو ما يجوز إثباته في العقد أخذاً بالمذهب الحنفي المعمول به في مصر، ويكون رمزياً في هذه الحالة. ويلجأ الناس إلى ذكره في عقد الزواج لكونه من البيانات الشكلية الواجب ذكرها، كما يترتب على إثبات هذا المبلغ الضئيل التقليل من رسوم التوثيق الواجبة على العقد. وفي حالة الخلع لا تلزم الزوجة إلا برد المبلغ الوارد في العقد، إلا إذا تمكن الزوج من إثبات حقيقة المهر الذي دفعه للزوجة.
ويجوز تعجيل المهر أو بعضه بالاتفاق بين الزوجين. وجرى العرف في مصر على تعجيل نصف المهر وتأجيل نصفه الآخر إلى أقرب الأجلين: الطلاق أو الموت.
3- سقوط المهر:
قد يسقط نصف المهر أو يسقط كله إذا لم يتأكد بالدخول أو الخلوة الشرعية.
– يسقط نصف المهر إذا حدثت الفرقة بالطلاق أو الفسخ بعد العقد وقبل الدخول الحقيقي أو الحكمي، بسبب يرجع إلى الزوج. ويكون النصف مستحقاً تعويضاً للمرأة عن فرقة أضرت بها دون خطأ من جانبها.
– يسقط كل المهر في الأحوال التالية:
الأول: إذا أبرأت الزوجة زوجها من المهر كله قبل الدخول أو بعده، بشرط أن تكون كاملة الأهلية.
الثاني: إذا خالعت المرأة زوجها على كل المهر قبل الدخول أو بعده.
الثالث: إذا حدثت الفرقة بين الزوجين قبل الدخول الحقيقي أو الحكمي بسبب من جهة الزوجة.
ب- حق الزوجة في منزل الزوجية:
يذهب الفقهاء الأحناف إلى أن تجهيز مسكن الزوجية بجميع مشتملاته واجب على الزوج، ولا تطالب به المرأة ولو حصلت على المهر الذي هو حق خالص لها. والسبب في التزام الزوج بتجهيز مسكن الزوجية أنه ملتزم بنفقة الزوجة، وإعداد مسكن الزوجية جزء من النفقة الواجبة للزوجة على زوجها. وهذا الرأي هو المعمول به قضاءً في مصر.
لكن فقهاء المالكية يرون أن تجهيز منزل الزوجية يخضع لعرف الناس، وقد جرى عرف الناس على أن تجهيز مسكن الزوجية يكون على الزوجة في حدود المهر الذي تقبضه من زوجها، وقد يتغير عرف الناس في مكان معين، فيكون تجهيز مسكن الزوجية بالتعاون بين الزوجين كل بحسب قدرته وظروفه المادية، مثال ذلك أن يوفر الزوج المكان وتقوم الزوجة بتزويده بالأثاث والأدوات المنزلية. ورأي المالكية يراعي ظروف الناس والحالة الاقتصادية في هذا الزمان، وهو الأولى بالتأييد.
وقد يجهز الأب ابنته في حدود المهر الذي قبضه، فيكون الجهاز ملكاً لها بمجرد الشراء من غير خلاف بين الفقهاء. وقد يجهز الأب ابنته من ماله الخاص ويسلمها الجهاز، فيكون ذلك على سبيل الهبة التي لا رجوع فيها بعد القبض. أما إذا سلم الأب الجهاز لابنته على سبيل عارية الاستعمال، كان الجهاز ملكاً له في حياته ولورثته بعد وفاته.
ج- حق الزوجة في نفقة الزوجية:
1- تعريف النفقة وحكمها: نفقة الزوجة هي ما يلزمها من غذاء وكسوة ومسكن وخدمة ومصاريف علاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع. ونفقة الزوجة واجبة على زوجها، مسلمة كانت أو غير مسلمة، مصرية كانت أو غير مصرية، سواء دخل بها أم لم يدخل بها، موسرة كانت أو غير موسرة.
ودليل وجوب النفقة مستمد من القرآن الذي أوجب نفقة العدة للمطلقة، فتكون واجبة على الزوج لزوجته حال قيام الزوجية من باب أولى. وكذلك السنة النبوية، وإجماع فقهاء المسلمين الذي لا يخالف المعقول والمعروف بين الناس.
وسبب وجوب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح قبولها العيش معه في معيشة واحدة، سواء كانت موسرة أو مخالفة له في الدين. لكن التعاون بين الزوجين والمودة والرحمة تفرض على الزوجة إن كانت قادرة أو لها دخل من عملها أن تشترك مع الزوج في نفقات الأسرة، فيعين كلا منهما الآخر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الوطن، فلا يحول دون ذلك أي مانع شرعي أو قانوني، وهذا ما يجري عليه عرف الناس.
ولا تسقط نفقة الزوجة بسبب مرضها، وفي هذه الحالة تعد مصاريف العلاج جزءاً من النفقة الواجبة لها.
كما لا تسقط نفقة الزوجة بسبب خروجها من مسكن الزوجية دون إذن زوجها للعمل المشروع، سواء اشترطت العمل في عقد الزواج أو عملت بعد الزواج برضاء زوجها أو كانت تعمل قبل زواجها ولم يعترض الزوج على ذلك. وينص القانون 25 لسنة 1920 على سقوط نفقة الزوجة المسلمة إذا ارتدت الزوجة عن الإسلام. أما إن كانت الزوجة مختلفة مع زوجها في الدين، فلا يكون ذلك سبباً في سقوط نفقتها. وتثير هذه الأحكام القانونية التساؤل عن حكم نفقة الزوجة التي لا تعتنق أحد الأديان السماوية الثلاثة؟
2- تقدير النفقة الزوجية: طبقا للمادة 16 من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929، “تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسراً وعسراً على ألا تقل النفقة في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية…”.
ويتضح من هذا النص ما يلي:
– المعول عليه في تقدير النفقة المقدرة المالية للزوج من حيث يسره وعسره، لأنه هو الملتزم بالإنفاق، وهو ما يتفق مع صحيح الدين لقوله تعالى ” لينفق ذو سعة من سعته..”.
– يراعى في تقدير النفقة حالة الأسعار والقوة الشرائية للنقود.
– تشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع، ويفي بالحاجات الضرورية للزوجة. ويمكن أن تشمل النفقة أجر الخادم إن كان الزوج ميسور الحال وكانت الزوجة ممن يخدم في بيت أهلها.
– في حالة النزاع حول دخل الزوج المدعى عليه، يجب على المحكمة أن تطلب من النيابة العامة إجراء التحقيق الذي يمكنها من بلوغ هذا التحديد، وترسل النتائج إلى المحكمة في موعد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ وصول طلب المحكمة إليها.
– يجوز الحجز على الأجور والمرتبات والمعاشات وما في حكمها وفاء لدين النفقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد النسبة التي يجوز الحجز عليها على 50٪ تقسم بين المستحقين([1]).
– تعفى دعاوى النفقات وما في حكمها من كافة الرسوم القضائية في كل مراحل التقاضي .
– إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي بالنفقة، وثبت للمحكمة قدرته على الوفاء، أمرته بالوفاء، فإن لم يمتثل حكمت بحبسه مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً .
– في حالة التزاحم بين الديون، تكون الأولوية لدين نفقة الزوجة أو المطلقة . وفي حالة التزاحم بين ديون النفقة الأخرى، يكون لدين نفقة الزوجة امتياز على جميع أموال الزوج، وتتقدم مرتبته على سائر ديون النفقة .
– دين النفقة لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. ولا يسقط نشوز الزوجة نفقتها إلا عن الفترة التالية لثبوت النشوز.
– لا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية لأكثر من سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى .
– الأحكام والقرارات الصادرة بالنفقات وما في حكمها واجبة النفاذ بقوة القانون وبلا كفالة.
3- مشاكل التقاضي في أمور النفقة: توجد عدة مشاكل تحتاج إلى تدخل تشريعي منها:
– إلزام الزوجة بإعادة إعلان الزوج الذي لم يحضر على الرغم من صحة الإعلان الأول. وعلاج ذلك إلغاء إعادة الإعلان في قضايا النفقة إذا ثبت أن الإعلان سلم في مسكن الزوج أو تسلمه أحد القاطنين معه.
– طول إجراءات التحري عن دخل الزوج الذي يجتهد في إخفاء مصادر دخله. وعلاج ذلك يكون بإقرار المحكمة لمبلغ الدخل الذي تدعيه الزوجة مع إعطاء الزوج حق إثبات دخله الحقيقي.
– عمل الزوج بالخارج يجعل إجراءات الإعلان والتحري عن الدخل أكثر صعوبة. وعلاج ذلك يقتضي تعاون وزارة الخارجية في تيسير هذه الأمور بناء على طلب المحكمة.
– محاولات تقليل النفقة المحكوم بها برفع دعاوى نفقة صورية من الزوجة الثانية أو الوالدين لاقتسام النفقة مع الزوجة والصغار. وعلاج ذلك يكون بالنص صراحة على عدم قبول دعاوى النفقة التي تقام بعد الحكم للزوجة وأطفالها بالنفقة، أو النص على عدم تأثير الحكم بالنفقة الجديدة على ما تتقاضاه المطلقة وأطفالها من نفقة سبق الحكم بها.
– قابلية الأحكام الصادرة في دعاوى النفقات للطعن عليها بالاستئناف. وعلاج ذلك يكون بتعديل المادة 9 من قانون 1 لسنة 2000 لجعل الأحكام الصادرة في دعاوى النفقات وما في حكمها نهائية إذا كانت المبالغ المحكوم بها في حدود النصاب الانتهائي للقاضي الجزئي (خمسة آلاف جنيه).
خاتمــــة
تظل مشكلة الحصول على النفقة الشرعية أكثر المشكلات التي تعاني منها المرأة بسبب طول الإجراءات والعجز عن تنفيذ الأحكام. ويقتضي هذا تدخلاً تشريعياً لتيسير حصول المرأة على نفقتها، وتلك مسؤولية تقع على عاتق المجلس القومي للمرأة الذي يجب عليه تبني الدعوة لإدخال التعديلات اللازمة على القانونيين رقم 1 لسنة 2000 ورقم 11 لسنة 2004 لتحقيق هذه الغاية. ونشير أخيراً إلى أن المرسوم بقانون 25 لسنة 1925 نص على علاج جزئي لمشكلة طول إجراءات التقاضي في مسائل النفقة، فقرر إلزام القاضي بأن يفرض للزوجة وصغارها في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة بحكم غير مسبب واجب النفاذ فوراً إلى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.
([1]) تقسم النسبة التي يجوز الحجز عليها على النحو التالي: الزوجة أو المطلقة 25%، وإذا تعددن 40%، الزوجة والأولاد 40 %، الزوجة أو المطلقة وولدين فأكثر والوالدين 50 %.
الدكتور فتوح الشاذلي
أستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية 2012