الدفع القانوني بعدم مشروعية إجراء التسجيلات السمعية أو البصريه بإعتبارها حرمة للحياة الخاصة
يعتبرُ الحق في حرمةِ الحياة الخاصة هو من ألصق الحقوق الشخصية بالإنسان، والتي تثبت له لحظة ميلاده، ولمجرّد كونه إنساناً، والتنصّت على اتصالاته يشكّلُ اعتداءً خطيراً على منظومة حريّته الشخصية، لا سيّما على حُرمة حياتهِ الخاصّة بما لها من قُدسيةٍ وسرّيةٍ، كما يُشكلُ اعتداءً على حقوق الدفاع للشخص المُشتبه بارتكابه أو محاولة ارتكابه جُرماً جنائياً، وهي حريّاتٍ كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، ونصّت على حمايتها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1950م، وأيدتها قرارات المحكمة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان، حين اعتبرت التنصّت تدبيراً مخالفاً لهذه الحقوق، واعتداءً على حرمة الحياة الخاصة والعائلية للفرد، وبالتالي لا يجوز تنفيذ هذا الإجراء إلا في الحالات الاستثنائية التي ينصُّ عليها القانون صراحة.
وكغيرهِ من المشرّعين العربْ، تمسّك مُشرّع قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001م بالمادة 51 منه، بمشروعية إجراء النائب العام أو أحد مساعديه تسجيلاتٍ لأحاديثٍ في مكانٍ خاص بناءً على إذنٍ من قاضي الصلح متى كان لذلك فائدةً في إظهار الحقيقة في جنايةٍ أو جنحةٍ يُعاقب عليها بالحبس لمدةٍ لا تقلُ عن سنة، على أن يكونُ إذن التسجيل مسبّباً، ولمدةٍ لا تتجاوز خمسة عشر يوماً قابلةً للتجديدِ لمرةٍ واحدة، وإلّا ترتّب البُطلان على عدم مراعاة أحكام تسجيلات الأحاديثِ في مكانٍ خاصْ، وفقاً للمادةِ 51 من ذات القانون.
أمّا المادة 102 من قانون البيّنات الفلسطيني رقم 4 لسنة 2001م، فقد مَنحت لمحكمة الموضوع حق اللجوءِ إلى التسجيل الصوتي أو البصري أو السمع بصري لكلِ أو بعض إجراءات سماع الشهود التي تُباشرها، على أن يُحفظ التسجيل لدى قلم المحكمة، ويكونُ لكل خصمٍ أن يطلب تسليمه نسخةً عنه مقابل دفع الرسم المقرر.
نشيرُ إلى أن المواد 115 – 117 من ذات القانونِ قد عرّفت الإقرار بأنه اعتراف الخصم بواقعةٍ أو عملٍ قانونيّ مُدّعى بأي مِنهما عليه، وأن الإقرار يكون قضائياً إذا تمَّ الاعتراف بالواقعة أو العمل المُدّعى به أمامَ القضاءِ أثناء السيرِ في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة أو العملْ، وغير قضائي إذا وقعَ في غيرِ مجلس القضاء أو بصددِ نزاعٍ أثير في دعوى أخرى، ولا يجوز إثباته بشهادة الشهود ما لم تسبقهُ قرائن قويّةٍ تدُلُّ على وقوعه، مع التأكيد على أن الإقرار القضائي حجّةً على المُقرّ ما لم يكذّبهُ ظاهر الحال.
وبهذا قضت محكمة التمييز اللبنانية، باجتهادها الصادر بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2005م، فأجازت الأخذ، أحياناً، بالتصريح المسجّل على شريطٍ مغناطيسي ولو خِفية عن الشخص الصادر عنه، كبدءِ بيّنةٍ يُمكن استكمالها، من حيث أن الإقرار هو اعترافُ خصمٍ بواقعةٍ أو بعملٍ قانونيٍ مدّعى بأيٍ منهُما عليه، وهو بالتالي يشكلُ حجّة على المقرّ تتفاوت قيمتها وفقًا لطبيعة الإقرار وعمّا إذا كان قضائياً أو غير قضائي، في حين أن بدء البيّنة الخطية لا تتمتع بذاتها بقوةٍ ثبوتية، إنما تجيزُ الإثبات بشهادة الشهود مهما كانت قيمة المدّعى به.
وحيث انه مع التطور الحاصل في حقلِ العلمِ وإتاحة استحداث وسائل فنيّة لإعدادِ الدليل واعتمادها تشريعاً، فانه يجوز الأخذ أحياناً بالتصريح المسجّل على شريطٍ مغناطيسي ولو خِفيةً عن الشخص الصادر عنه كبدء بيّنةٍ يمكُن استكمالها بالوسائل المحدّدة قانونًا.
وحيث انه تبعاً لجواز الإثبات بشهادة الشهود مهما كانت قيمة المدّعى به في حالة وجود بداءة بيّنة خطّية، فإن سماعهم يكونُ جائزًا ويعودُ أمرُ تقديرهِ لمحاكمِ الأساسْ.