مسألة التفريق بين الزوجين بسبب عدم الإنفاق.
ان نفقة الزوجة حق لها على زوجها وواجب من واجبات الزوج ما دامت الزوجة قائمة بحقوق الزوجية سواء أكان الزوج غنيا أم فقيرا، وسواء أكانت الزوجة غنية أم فقيرة، لأن الزواج، ميثاق شرعي، بين الرجل والمرأة غايته إنشاء أسرة على أسس مستقرة، تكفل أعباءها بمودة ورحمة.
أما إذا امتنع الزوج عن الإنفاق أو قصر فيه على زوجته مع وجوبه عليه، فإن كان له مال ظاهر يمكن أخذ النفقة منه بالطرق القضائية، فليس لها حق طلب التفريق، أما إذا لم يكن له مال ظاهر يمكن أخذ النفقة منه- بأن كان فقيرا أو مجهول المال- فإن للزوجة أن تطلب من القاضي أن يفرض لها نفقة ويأذن لها أن تستدين على زوجها، ويكون ما تستدينه دينا عليه يؤديه عند يساره، أما إذا كان الزوج موسرا وامتنع عن الانفاق على زوجته فهو بلا شك ظالم بامتناعه فيحق للزوجة طلب التفريق.
أولا/ موقف القانون من التفريق بين الزوجين لعدم الإنفاق:
العلاقة الزوجية
ويبين من القانون- وفقاَ لـ «يارا»، فإن الزوج إذا امتنع عن الإنفاق على زوجته وكان له مال ظاهر نفذ حكم النفقة فيه سواء أكان غائبا أم كان حاضرا مادام ممتنعا عن الإنفاق على زوجته أو لم يترك لها مالا تنفق منه وغاب عنها، لأنه يكون في هذه الحالة، ظالما فيجب منع الظلم، وذلك بتنفيذ النفقة في ماله الظاهر وبيعه تنفيذا، وإن لم يكن له مال ظاهر، وأمتنع عن الإنفاق وهو حاضر، وطلبت الزوجة التفريق ولم نقل أنه معسر وأصر هو على عدم الإنفاق، فإن القاضي يطلق في الحال من غير تأجيل، فإن أدعى أنه عاجز عن الإنفاق لاعساره، وأثبت ذلك أو أقرت الزوجة باعساره، وأنه لا يستطيع الإنفاق عليها أجل القاضي الحكم شهرا على الأكثر فإن لم ينفق عليها في هذه المدة يطلق عليه القاضي في الحال.
أما إذا كان الزوج غائبا ولم يترك مالا لزوجته تنفق منه، وليس له مال ظاهر تنفذ فيه، وكانت غيبته قريبة أعذر إليه القاضي ليرسل إلى زوجته ماتنفق منه أو يحضر لينفق عليها، ويحدد له أجلا فإن لم يرسل لها مالا ولم يحضر ومضى الأجل الذي حدده له القاضي طلقها في الحال، أما إذا كانت غيبته بعيدا أولا يسهل وصول الرسائل إليه أو كان مجهول الإقامة أو لا تعلم حالة طلق القاضي في الحال
نوع الطلاق الذي يوقعه القاضي لـ «عدم الإنفاق»
الطلاق الذي يوقعه القاضي بسبب إعسار الزوج أو بسبب امتناعه عن الإنفاق على زوجته يكون طلاقا رجعياَ إن كان بعد الدخول يجوز للزوج أن يراجع زوجته فيه، ولكن الرجعة مشروطة بشرطين:
الأول: أن يثبت يساره وقدرته على الإنفاق.
الثاني: أن يعلن استعداده لأداء النفقة الواجبة.
وقد جرى العمل في المحاكم على أنه لا يحكم بصحة الرجعة إلا إذا دفع الزوج نفقة زوجته بالفعل، فإذا لم يدفع فلا يحكم بصحة الرجعة، ولا يكتفى بقول الزوج أنه مستعد للإنفاق على زوجته.
ثانيا: موقف الفقهاء من التفريق بين الزوجين لعدم الإنفاق:
اختلف الفقهاء في جواز التفريق بين الزوجين بسبب عدم الإنفاق إلى فرائق ثلاث:
الفريق الأول:
فقهاء المذهب الحنفي، ويقولون بعدم جواز التفريق بين الزوجين لعدم الإنفاق مطلقا.
الفريق الثاني:
هم جمهور الفقهاء ويقولون بجواز التفريق بين الزوجين إذا امتنع الزوج عن الإنفاق مطلقا ولم ترض الزوجة بالمقام.
الفريق الثالث:
وهو يجيز للزوجة طلب التفريق إذا كان الزوج قد غرها وليس لها ذلك إن لم يكن قد غرها.
أدلة الفريق الأول:
استدل فقهاء المذهب الحنفي على ماذهبوا إليه من أنه إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يمكن أخذ النفقة منه سواء أكان ذلك لفقره أو للجهل بما له بحيث لا يعلم مكانه، فليس للزوجة الحق في طلب التفريق بينها وبين زوجها بل لها فقط أن تطلب من القاضي فرض نفقة عليه، والإذن لها بالاستدانة عليه أو حبسه.
وقد استدلوا على ذلك بالأدلة الآتية:
1- قال تعالى: «لينفق ذو عة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها».
فقد دلت الآية الكريمة على أن الزوج لا يكلف بالإنفاق على زوجته في حالة فقره، وإذا لم يكن مكلفا بالإنفاق في هذه الحالة فإنه لا يعتبر آثما بالامتناع عن القيام به فلا يصلح أن يجعل سببا في التفريق بين الزوج وزوجته إذا طلبت ذلك لإعسار الزوج على الإنفاق عليها لأن التفريق لدفع الضرر عن الزوجة وتخليصها من سلطانه حتى يمكنها أن تتكسب أو تتزوج برجل آخر ينفق عليها.
2- قال تعالى: «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة».
فقد دلت الآية على أمر صاحب الدين أن ينظر المدين المعسر إلى الميسرة إلى الميسرة والنققة لا تعدو أن تكون دينا للزوجة، فتكون مأمورة بانتظار الزوج إلى الميسرة بهذا النص، ولا يكون لها الحق في طلب النفقة في هذه الحالة، وبالتالي لا يكون لها الحق في طلب التفريق بسبب امتناعه عن النفقة، ولكن يرد على ذلك بأن المذهب الحنفي لا يجيز طلب التفريق لعدم الإنفاق سواء كان لعجز الزوج وإعساره أم كان لامتناع الزوج مع القدرة على الإنفاق والآية لا تنطبق في حالة العجز والإعسار فقط وهذا قصور في الدليل فلا يفيد.
3- كان في الصحابة الموسر والمعسر وكان المعسرون أضعاف الموسرين ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكن إمراة قط من الفسخ بسبب إعسار زوجها ولا أعلمها أن الفسخ حق لها ولو كان الإعسار سببا في الفسخ شرعا لرفع ذلك إليه ولو من امرأة واحدة فإنهن رفعن إليه شكواهن فيما هو دون ذلك وأندر منه لكنه لم يحدث فدل ذلك على أن الإعسار لا يكون سببا في الفسخ.
4- إن التفريق بسبب عدم الإنفاق يترتب عليه إبطال حق الزوج وعدم التفريق يترتب عليه تأخير حق الزوجة في النفقة وتأخير الحق أهون شأنا من إبطاله فوجب المصير إليه عملا بالأصل المقرر شرعا وهو ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن هناك مفر من ارتكاب أحدهما، إلا أنه يرد على هذا بأن ذلك لا يستقيم إلا إذا كان الامتناع عنه لعجز الزوج وفقره أما إذا كان الامتناع مع قدرته على النفقة فإنه يكون ظلما من الزوج لزوجته فلا يكون هناك مايدعو لتأخير حق الزوجة وأمرها بالاستدانة عليه.
أدلة الفريق الثاني:
استدل جمهور الفقهاء على ماذهبوا إليه من أنه يجوز للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها مطلقا بالأدلة الآتية:
1 – قال تعالى: «ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا» وقال تعالى: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» فقد نهت الآية الأولى عن إمساك الزوجة على وجه الإضرار بها وفي إمساكها مع الامتناع عن الإنفاق عليها إضرارا بها واعتداء عليها وعلى القاضي دفع العدوان بالتفريق بينهما عند طلبها ذلك كما دلت الآية الثانية على أن الله تعالى أم الزوج بإمساك الزوجة بالمعروف أو مفارقتها بالإحسان والإمساك بالمعروف لا يتحقق مع الامتناع عن الإنفاق عليها فيتعين عليه التسريح بإحسان فإن لم يفعل طلق عليه القاضي وفرق بينه وبين زوجته.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار» ووجه الدلالة في الحديث أن الإمساك مع عدم الإنفاق مضارة وعلى القاضي أن يزيل الضرر بفك تلك العقدة التي اصبحت ضرارا لا مصلحة فيها.
3- أن الزوج إذا عجز عن الإتصال بزوجته اتصالا جنسيا لعيب من العيوب التي تمنع ذلك الاتصال، وطلبت التفريق بينها وبين زوجها لهذا السبب فإنها تجاب إلى طلبها، وذلك للضرر الذي يترتب بقائها مع هذه الحال والضرر المترتب على العجز عن الإنفاق أشد من هذا الضرر فيكون لها الحق في ان تطلب التفريق عن العجز عن الإنفاق من باب أولى.
ولكن يرد على هذه الأدلة بأن الآية والحديث إنما تنطبق على الممتنع إذا لم يكن هناك طريق لمنع الظلم إلا التفريق إلا أنه توجد طرق أخرى يمكن دفع الظلم بها وهي الحبس فلا يلجأ القاضي إلى الطلاق وهو أبغض الحلال وعنده طريق سواه فيتعين اللجوء إليه وكذلك العاجز عن النفقة لا يكون امساكه للزوجة امساكا بغير معروف ولا إضرارا بها ولا عدوانا عليها لأنه لا يدركه.
وأما قياس الإعسار على العيب فهو أمر غير لازم فلا يصح قياس الإعسار عليه، ولأن المال في الزواج من التوابع بخلاف المعاشرة الجنسية، فإنها مقصودة أصالة للتوالد والتناسل وفوات التوابع لا يلحق بفوات المقصود اصالة، وأيضا النفقة لا تسقط بعدم الإنفاق بل تصير دينا على الزوج بخلاف المعاشرة الجنسية فإنها إذا لم توجد يسقط حق الزوجة فيها ولا تصير دينا على الزوج.
أدلة الفريق الثالث:
وذهب ابن القيم إلى التفصيل فأجاز التفريق لعدم الإنفاق إذا غر الرجل المرأة عند العقد وأوهمها بأنه ذو مال ويسار فتزوجته على ذلك فظهر معدما لا شيء له وكذلك إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته، وكان موسرا ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها ولا بإجبار الحاكم له أما ماعدا ذلك فلا يجوز التفريق لعدم الإنفاق فلا يجوز لها الفسخ إن تزوجته عالمة بعسرته أو كان موسرا ثم أصابته جائحة اجاحت ماله لأنه لا تغرير ولا إضرار ولأن الناس تصيبهم الفاقة بعد اليسار ومن المروءة أن تعيش الزوجة مع زوجها في السراء والضراء.