السكران بإختياره ومدى مسؤليته عن الجرائم التي يرتكبها.
(1) من الثابت علمياً أن الإفراط في تناول المواد المخدرة أو المسكرة يفضي إلى خلل في القدرات الذهنية وفي سيطرة الشخص على ما يصدر عنه من أفعال، ومقتضى ذلك رفع المسئولية الجنائية العمدية عن السكران فيما يرتكبه من جرائم سواء أكان قد تناول المخدر أو المسكر قهراً عنه أو بإختياره مادام أنه لحظة ارتكاب الجريمة كان فاقد الشعور والاختيار بسبب المسكر.
غير أن بعض التشريعات تقرر مسؤلية السكران باختياره علي أساس العمد مثل القانون الألماني والسويسري وهو ما اتجهه اليه محكمة النقض الفرنسية.اما المشرع المصري ففي المادة 2/62 عقوبات رفع المسئولية عن السكران إذا ما تناول المخدر أو المسكر قصراً عنه ولكنه سكت عن حاله ما اذا تناول المسكر باختياره.
وجمهور الفقه علي أن نص المادة 62 يدل بمفهوم المخالفة على مسئولية السكران بإختياره ولكن اختلف الفقه حول ما اذا كانت هذه المسؤلية تقوم علي العمد أم الاهمال.
(2) وتري محكمة النقض النقض مسؤولية السكران باختياره مطلقا سواء كانت الجريمة عمدية أو اهمال فالاصل لديها أن الغيبوبة المانعة من المسئولية – على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات – هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو بغير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها سواء كانت عمدية أم بإهمال
( الطعن رقم 39918 لسنة 72 ق جلسة 5 / 2 / 2003 ؛الطعن رقم ٢٦٢١٥ لسنة ٧٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٤/١٠/٢٠؛الطعن رقم ٢٣٦١٧ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٧)
وهي مسألة موضوعية يوكل الأمر فيها لمحكمة الموضوع بشرط أن يكون استخلاصها سائغا
( الطعن رقم ٦١٣ لسنة ٥١ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٨٢/٠٣/١٤).
(3) غير أن محكمة النقض لم تطلق هذا النظر بالنسبة لكل الجرائم العمدية بل قصرته على طائفة منها وهي الجرائم التي يكتفي فيها القانون بالقصد العام أما حيث يشترط القانون لوقوع الجريمة قصداً خاصاً فإن مسئولية السكران لا تتحقق بالنسبة لهذا القصد اللهم إلا إذا تناول المسكر أو المخدر ليقوي عزيمته على إرتكاب الجريمة إذ عندئذ يعتبر مسئولاً عن هذه الجريمة ولو كان القصد فيها خاصاً
( نقض 1947/4/1 مجموعة القواعد القانونية جـ7 رقم348 ص331؛ نقض 1950/6/12 مجموعة أحكام النقض س1 رقم246 ص754؛ نقض 1969/1/13 س20 رقم23 ص104 )
ولهذا اوجبت النقض علي محاكم الموضوع في جرائم القتل العمد التدليل على نيه القتل وان المتهم أخذ المسكر مشجعا على تنفيذ نيته وإلا كان الحكم قاصرا
(الطعن رقم ٥٩٢٥ لسنة ٥٤ قضائيةالدوائر الجنائية – جلسة ١٩٨٥/٠٥/٠٢؛ الطعن رقم ٤٣٥٩٥ لسنة ٧٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٥/١٢/٢١)
ومقتض مذهب النقض أن السكران باختياره لا يمكن ان يسأل عن قتل عمد أو سرقه أو خطف انثي لأن هذه الجرائم يلزم لقيامها قصد خاص اللهم إذا تناول المسكر لتقوية جاشه وتثبيت عزيمته علي ارتكابها!
والفقه مجمع على تخطئة هذا القضاء والرأي فيه أن التفرقة في الحكم بين القصد العام والخاص تحكمية وأنه كان يتعين على محكمة النقض أن تسوي بين القصدين لأنهما من طبيعة واحدة فكلاهما يقوم على العلم والإرادة.ثم أن استنتاج القصد الخاص من واقع تناول المسكر لربط العزيمة والتقوية علي ارتكاب الجريمة يخالف أصل مستقر حاصلة لزوم معاصره القصد الجنائي للفعل الجرمي وليس قبله أو بعده ومقتض مذهب النقض أن القصد الجنائي اصبح سابقا علي الفعل وليس معاصرا له وهو ما لا يصح.
(4) ونعتقد أن تقرير مسئولية السكران بإختياره بوجه عام وفقاً لمفهوم المخالفة للمادة 2/62 عقوبات هو من الأمور التي يمكن أن تثير شبهة عدم الدستورية لأن المشرع افترض القصد لدى السكران بإختياره افتراضاً لا يقبل إثبات العكس حال أن السكر يمكن في بعض الأحيان أن يعطل الإرادة التي هي مناط التأثيم طبقاً لما أطرد عليه قضاء المحكمة الدستورية
( حكم المحكمة الدستورية العليا في 1995/7/3 القضية رقم25 لسنة 16ق؛ وحكمها في 1995/12/2 القضية رقم28 لسنة 17ق؛ وحكمها في 1996/6/15 القضية رقم49 لسنة 17ق؛ وحكمها في 1997/2/1 القضية رقم59 لسنة 18ق ).
وحتي تقول المحكمة الدستورية العليا كلمتها فإنه يجب على القاضي بحث كل حالة على حده فإن ثبت توافر الإرادة قامت المسئولية وإن تخلفت انعدمت المسئولية العمدية والخطئية على السواء.