إشكالية القتل الرحيم للمجني عليه.
(1)الموت الرحيم أو القتل الرحيم Euthanasia ويعرف أيضاً باسم الانتحار بمساعدة طبية physician-assisted suicideهو باختصار شديد عملية إنهاء حياة الشخص من قبل الطبيب أو من يقدم الرعاية الطبية، وعادة ما يقترن الموت الرحيم بحالة ميؤوس منها غالباً ما تكون مرض مستعصي يسبب الكثير من الألم وتكون نهايته الوفاة على أي حال، وفي حالات أندر يتم تنفيذ القتل الرحيم مع أشخاص يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية غير قابلة للعلاج ويعتقدون أنهم غير قادرين على التأقلم معها.
ويتم القتل الرحيم من خلال طبيب أو أحد أهل المريض يحقن المريض بأدوية تسرع إنهاء حياته مثل جرعات زائدة من المسكنات والمهدئات أو مواد سامة.
ومشكلة قتل المجني عليه رحمة به لتخليصه من الم مرض لا خلاص منه من المشاكل القديمة التي لا تفتا أن تختفي ثم تعود الي الساحة بشدة.وعلى الرغم من إعادة طرح قضية الموت الرحيم في العصر الحديث كقضية أخلاقية شائكة لاسيما بعد حكم المحكمة الدستورية العليا في المانيا كما سوف نري حالا إلا أنَّ نشأة الموت الرحيم تعود إلى فترات أقدم بكثير، حيث شهدت حضارات الشرق القديم حالات من القتل الرحيم للمصابين بالأمراض المستعصية،
كما عرفت اسبرطة اليونانية القتل في المهد للأطفال الذين يعانون من إعاقات جسدية واضحة بهدف تخفيف العبء عن المجتمع.ويعود الجدل العميق حول القتل الرحيم إلى عصر أفلاطون الذي كان يؤيد إنهاء حياة المرضى بأمراض عقلية أو جسدية مستعصية، فيما عارض الفيثاغورثيون ذلك، وكانت ممارسة إعطاء السم للمريض من قبل الأطباء شائعة في تلك الفترة، لكن قسم أبقراط أبو الطب تضمن الامتناع عن هذه الممارسة.
وفي العصر الحديث مرَّ القتل الرحيم بفترات مختلفة من السماح بممارسته أو التسامح معه أو غض البصر عنه أو منعه نهائياً، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر سجل عدد كبير من الفلاسفة المشاهير تأييدهم أو رفضهم للموت الرحيم.ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت محاولات تقنين القتل الرحيم في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد ظهرت الكثير من الدعوات لتقنين الموت الرحيم في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وعلى الرغم من وضع قوانين تسمح بالموت الرحيم في أكثر من دولة أبرزها هولندا وبلجيكا فإن الجدل الأخلاقي والقانوني والديني ما زال قائماً حول فكرة إنهاء الحياة بكرامة أو القتل الرحيم.
إذ بالرغم من التقدم المذهل الذي حققته البشرية في علوم الطب إلا أن العلم في كثير من الأحيان يقف عاجزا عن علاج الناس وتخفيف الامهم بسبب بعض الأمراض المستحدثة والفيروسات الخبيثة فيعاني الأنسان ويتعذب بل ينهار ويطلب من اقرب الناس اليه بل ومن الاطباء ذاتهم إنهاء حياته ليتخلص من آلامه ومن الاطباء والرفاق من يضعف أمام الحاح المريض واليأس من علاجة فيساعدة علي إنهاء حياته.
ووجه المشكلة أن الجاني ليس مجرم بل صاحب قلب رحيم وأنه فعل فعلته بناء علي رضا ورغبة المجني عليه فالباعث نبيل والقلب رحيم وهناك ضغط علي ارادة الجاني قد يصل الي الاكراة المعنوي لاسيما إذا كان غزيز علي المجني عليه ولا يتحمل تعذيبه؟
والمشكله لها ثلاث ابعاد احدهما ديني والآخر أخلاقي والاخير قانوني.
(2) فأما عن الجانب الديني فيعتبر القتل الرحيم مرفوضاً وعلى الرغم من نقاش بعض رجال الدين للقضية إلى أن الاتجاه العام في اليهودية والمسيحية هو تجريم القتل الرحيم باعتباره تدخلاً بالإرادة الإلهية، ويصنف كحالة انتحار في حال موافقة المريض وكحالة قتل في حال كان المريض غير واعٍ.ومن وجهة نظر الإسلام فإن إجماع الآراء هو عدم جواز القتل الرحيم بأي شكل من الأشكال،
ويعتبر كل من طلب القتل الرحيم وساعد في إنهاء حياة المريض بأي طريقة آثماً ومخالفاً لشرع الله تعالى.وذلك أن الموت إرادة إلهية لا يجوز لأحد أن يتدخل بها، ولا يقدر أحدٌ على تأجيل الموت أو تعجيله إلا بإرادة من الله، وكذلك هي الحياة، فالله وحده من يعرف إن كان المريض يشفى أم لا، مهما كان مرضه أو حاله.
فهو بين يدي ربه لا يمكن التنبؤ بشفائه من عدمه بشكل قاطع، وإقدامه على قتل نفسه بمقام الانتحار، ومن ساعده على إنهاء حياته فهو قاتل عمد.
(3) أما عن الجانب الاخلاقي فمحل خلاف اذ يري البعض لزوم احترام رغبة المريض بإيقاف العذاب الناتج عن الألم والعلاج، عند التأكد من طبيا أن المريض لن ينجو وأن عذابه سينتهي بالموت المحتم.فالموت الرحيم في المقام الأول وسيلة لإنهاء عذاب المريض بإرادته في الحالات الميؤوس منها،
فإذا كان المريض سيتلقى علاجاً لإطالة حياته لكن حياته ستكون عبارة عن ألم لا يحتمل، فقد يرغب في إنهاء حياته ويجب أن نحترم هذه الرغبة كمايساعد الموت الرحيم الأهل على تقبُّل موت المريض وتوديعه وهم يعرفون أنه ذاهب إلى الموت في موعد معلوم ومن شأن الموت الرحيم أن يزيح الكثير من الأعباء الاقتصادية عن كاهل الأهل في الحالات المستعصية، وكذلك عن كاهل المجتمع والدولة.-
لا يمكن التنبؤ فعلياً بقدرة المريض على التعافي لوجود الكثير من الاعتبارات التي قد تجعله يعود إلى حياة مقبولة وإن لم تكن طبيعية بالمطلق. في حين يعترض البعض الآخر علي القتل الرحيم بدعوه أنه قد يسوء استخدام القتل الرحيم بهدف الحصول على الميراث أو لدوافع انتقامية أو للتخلص من عبء المريض.وايضا فان معظم المرضى الذين يطلبون الموت الرحيم يعانون من الاكتئاب الحاد نتيجة مرضهم، وقد يكون تقديم الرعاية النفسية لهم خياراً أفضل من قتلهم .
(4 )واما من الناحية القانونية فيصنف القتل رحمة بأنه قتل عمد إذ الباعث لا يعد من اركان الجريمة فلا يهم ما اذا كان نبيلا أو سيئ كما أن كل ما يشترطه القانون في محل القتل أن يكون المجني عليه إنسان حي ولو كان ميؤس من شفائة.
ولهذا فإن الكثير من الدول لجات الي تخفيف عقوبة القتل الرحيم كالقانون الايطالي واللبناني ولجأت دولة اخري الي اباحة القتل رحمة ففي سويسرا أصبح قانونياً عام 1937 وفي عام 1938 تم تأسيس جمعية القتل الرحيم في أمريكا للضغط نحو تقنين الموت الرحيم، وبدأت بعض الولايات تقر قوانين الموت الرحيم منذ السبعينات أولها ولاية أوريغون، وتم وضع قانون ينظم عملية الموت الرحيم في ولاية واشنطن ومونتانا عام 2009 كما ألغت كل من هولندا وبلجيكا القوانين التي تجرِّم الموت الرحيم عام 2002 ومن الدول التي تسمح بالموت الرحيم أيضاً لوكسمبورغ 2009، كولومبيا 1997، كندا بين 2014 و2016.
وفي المانيا كان البرلمان الألمانى – بوندستاج –قد أضاف المادة 217 الى قانون العقوبات الألماني عام 2015 لمنع الأطباء والعاملين فى الرعاية الطبية بمساعدة بعض المرضى على الانتحار باستخدام الأدوية أو السموم أو غيرها فيما سمحت لعائلات المرضى فقط بالمساعدة فى إنهاء حياة ذويهم وذلك بعد اعتراض الكنيستان الكاثوليكية والبورستانتينية على شرعية إنهاء الحياة بمساعدة أخرين، خشية أن يؤدى ذلك إلى انتشار تجارة الموت وتشجيع المرضى على إنهاء حياتهم فنصت تلك المادة علي عقاب كل من يقوم بالمساعدة فى إنهاء الحياة أو الانتحار بالحبس لمدة ثلاث سنوات.
الا أن بعض الأطباء اعتبروا أن هذا أمر تعجيزي يحول دون حق إنهاء الحياة الرحيم، ولجأ بعض الأطباء والمرضى إلى المحكمة الدستورية العليا التي قضت بأن الحق فى الموت بمساعدة طرف ثالث حق دستورى لكل مواطن فى ألمانيا،وألغت المحكمة المادة من 217 من قانون العقوبات الألماني والتي كانت تجرم وتحرم تقديم أى مساعدة لإنهاء الحياة أو ما يعرف بالموت الرحيم .وقال المحكمة الدستورية العليا خلال نطقه بالحكم :إن حق الموت ذاتيا أو الانتحار بمساعدة طرف آخر مكفول دستوريا، وأن المادة 217 من قانون العقوبات تجعل هذا الحق غير ممكن إلى حد كبير،
ولذا لابد من إلغائها.وعلق أحد رجال القانون فى ألمانيا قائلا: إن المانيا دولة علمانية، ويجب ألا يكون للكنيسة أى تأثير فى التشريعات القانونية، مشيرًا إلى أن كلتا الكنيستين فى ألمانيا تعارض وضع حد للحياة بمساعدة أخرين، ولذا فانه من الإيجابي أن تتولى أعلى محكمة فى البلاد كمؤسسة قانونية مدنية مهمة تنظيم الحق الذى يكفله الدستور للمواطن فى انهاء حياته بمحض إرادته.
(5) وهي وجه نظر لا يمكن التسليم به في مصر ليس فحسب علي اعتبار ان الشريعة الإسلامية تنبذه وهي المصدر الرئيس للتشريع.وانما ايضا لأن المشرع في المادة 234 من قانون العقوبات عاقب كل من قتل نفسا عمداً…بصيغة عامة مطلقة دون تفرقه بين قتل وآخر كما أن رضا صاحب الحق وهو المجني عليه في التصرف في حياتة بانهائها
من خلال آخر كما يري جمهور الفقه عقيما إذ حق الحياة لا يجوز للإنسان أن يتنازل عنه أو يتصرف فيه كي يبيح للغير انهائه فهو هبه من الله لم يكتسبه الأنسان بل جبل عليه.ولا ينبغي أن يثور الخلاف في مصر في ظل المادة 92 من الدستور التي تنص علي أن الحقوق الليصقه بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا وأن اي قانون ينظم هذه الحقوق لا يجوز أن يصادرها وأن منع القتل الرحيم يعني مصادرة حق الأنسان في أن ينهي حياته وبالتالي تعد نصوص القتل في قانون العقوبات التي تجرم بعموم لفظها القتل ولو كان بدافع الشفقة غير دستورية!
فمثل هذا القول فيه بعد لأن حق الحياة فعلا من الحقوق الليصقه بالإنسان فلا يجوز تعطيله اما انهاء تلك الحياة فليس بحق بل اعتداء على الحق. وإن كان الأمر قد يدفع بالقاض الي أخذ المتهم بقسط من الرافه في الحدود التي تسمح بها المادة ١٧من قانون العقوبات إذ اننا أمام إنسان يعتقد أن يفعل الخير حين أنه يقتل.