مدى حجية حكم البراءة ومدى إستفادة متهم آخر في ذات الواقعة من هذه البراءة.
(1) اطرد قضاء النقض منذ زمن ورغم عدم وجود نص علي أن حجيه الأحكام الجنائية الباتة الصادرة بالبراءة بناء على اسباب موضوعية تتعلق بماديات الواقعة وليس بشخصية الجاني كما اذا حكم بالبراءة لأن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية لم تقع أو على أنها ليست من الأفعال المعاقب عليها قانوناً أو لأن الإتهام بوجه عام قائم علي الظن والتخمين فهذه الأحكام عنوان للحقيقة وحجة فى حق الكافة بالنسبة للمتهمين المقضي ببرائتهم ولسواهم المنسوب إليهم المساهمة فيهم ولو فى إجراءات لاحقة فى ذات الواقعة فاعلين أو شركاء
(نقض 1939/6/5الطعن رقم 1233لسنه 9ق)
واوضحت النقض مناط تطبيق تلك القاعدة بقولها أن أعمالها لأ يصح إلا إذا كانت الأسباب التى أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتهــا إلـــى براءة المتهم المطلوب محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الاثنين كانت قد حصلت فى دعوى واحدة لرمى الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما وبرأ الآخر
(نقض 1967/1/31س18رقم 26ص 137؛نقض 1962/6/12س13رقم 136ص 519)
ويبدوا أن محكمة النقض قد تأثرت في ذلك بالفقه الفرنس التقليدي (-Faustin Helie-تحقيق الجنايات-ll-No 1001)
(2) وقالت النقض في ذلك أنه من المقرر قانوناً أن الأحكام الجنائية الصادرة بالبراءة بناء على أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية لم تقع أصلاً أو على أنها فى ذاتها ليست من الأفعال التى يعاقب القانون عليها تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة للمتهمين الذين قضى لهم بالبراءة أو لسواهم ممن ينسب إليهم – ولو فى إجراءات لاحقة – المساهمة فى تلك الواقعة عينها فاعلين أو شركاء – إذا كانت هذه الأحكام تعتبر كذلك
فالعلة إنما هى وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل متهم ارتباطاً غير قابل بطبيعته لأية تجزئة ومقتضياً انتفاء كل تفرقة بين هؤلاء المتهمين فى صوالحهم المستمدة من ذلك العامل المشترك بينهم – وهو الواقعة المتهمون هم فيها – بل مقتضياً حتماً أن تكون تلك الصوالح متحدة اتحاداً يستوجب أن يستفيد كل متهم من أى دفاع مشترك
وهذه العلة أساسها ما تمليه المصلحة العامة من وجوب تجنب ما تتأذى به الجماعة من قيام أى تناقض فى الأحكام الجنائية المتعلقة بالأرواح والحريات الأمر الذى يقتضى اعتبار تلك الأحكام – وهذا شأنها – حجة فى حق الكافة ما دام ذلك لا يكون فيه مساس بما هو مقرر لكل متهم عند محاكمته من كامل الحق فى الدفاع وهذا هو الذى حدا بالشارع إلى أن يسن للمحاكم التى تصدر هذه الأحكام نظاماً خاصاً يغاير ما وضعه للمحاكم المدنية إذ يسر لها السبيل لأن تتحرى الحقائق مجردة بغض النظر عن أشخاص الخصوم الماثلين أمامها
دون تقيد بأقوالهم أو طلباتهم التى يدلون بها إليها ، وإذن فلا يصح عند محاكمة أى متهم عن واقعة أن يحتج بسبق صدور حكم بالبراءة لمتهم آخر بذات الواقعة بصفته فاعلاً معه أو شريكاً له فيها إلا إذا كانت الأسباب التى أقيمت عليها البراءة مؤدية بذاتهــا إلـــى براءة المتهم المطلوب محاكمته أيضاً بحيث لو أن محاكمة المتهمين الاثنين كانت قد حصلت فى دعوى واحدة لرمى الحكم فيها بالتناقض البين إذا هو أدان أحدهما وبرأ الآخر
( الطعن رقم 1162 لسنة 12 ق جلسة 22 / 4 / 1942؛الطعن رقم31535لسنه 86ق جلسه 2018/1/8) و
قضت النقض في حكم حديث لها انه لما كانت محكمة جنايات ….. قد قضت – فى الجناية رقم …… المنضمة – بجلسة 9/11/2014 ببراءة ….. من تهم الاشتراك بطريقي التحريض والمساعدة – مع بعض ضباط وأفراد الشرطة – فى قتل المجنى عليهم – المتظاهرين – عمداً مع سبق الإصرار المقترن بجرائم القتل العمد والشروع فيه لأسباب حاصلها :
قيام الاتهام على الافتراض والظن والاحتمال ، وخلو الأوراق من دليل أو قرينة على توافر عناصر الاشتراك فى حق المذكور ، وصار ذلك القضاء باتاً برفض الطعن بالنقض عليه بجلسة 4/6/2015 .
وكان البين أن تلك التهم – المقضى فيها بحكم بات ببراءة ….. – هى ذات التهم المنسوب للمتهم ….. الاشتراك – بطريق الاتفاق – فيها مع الأول ، ومن ثم فإنه بعد القضاء – المشار إليه – ببراءة الشريك (…..) – فإن الاتهام المنسوب للمتهم الماثل ( كشريك للشريك ) – على ضوء ما سبق من أحكام – لا تقوم له قائمة ويفتقد لصحيح الواقع والقانون . بما يتعين معه والحال كذلك القضاء ببراءة المتهم مما أسند إليه عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية .
(الطعن رقم 655 لسنة 85 جلسة 2017/03/02).