إختصاص القضاء الأجنبي بنظر النزاع المدني أو التجاري في ضوء القانون المصري.
أرست محكمة النقض المصرية مبدأ قضائيا جديدا مغايرا لما كان مستقرا عليه من عدم جواز تنحية القضاء المصري عن نظر النزاع لصالح القضاء الاجنبي،
وجاء في حيثيات الحكم المؤدية الي المنطوق والمرتبة به ارتباطا وثيقا أنه يجوز تنحية القضاء المصري والقضاء بعدم الاختصاص بنظر الدعوي في حال وجود اتفاق بين اطراف النزاع باختصاص محاكم دولة اجنبية بنظر النزاع
علي ان تتوافر عدة شرائط :
1- ان يكون النزاع دوليا اي ان تكون المنازعة ذات صبغة دولية،
2- الا يمس تنحي القضاء المصري عن نظر النزاع بالسيادة المصرية او النظام العام،
3-ان يتوافر الارتباط بين المنازعة والمحاكم الاجنبية،
4- ان يكون هذا الاتفاق صحيحا وفقا لقانون الدولة الاجنبية.
وبهذا تكون محكمة النقض المصرية قد عدلت عن مبادئها السابقة في هذا الشأن تماشيا مع نظام العولمة والحرية الاقتصادية وتشجيعا علي الاستثمار وهو ما نادي به الكثير من فقهاء القانون واختتمت المحكمة بإنعقاد الاختصاص لمحكمة الدولة الاجنبية نظرا لانها الاكثر ملائمة لنظر النزاع.
ولكن ما لم توضحه المحكمة وتبينه تفصيلا ما يتعلق بالشرط الثاني شرط عدم المساس بالسيادة المصرية ، فالتساؤل هنا ما المقصود بالسيادة المصرية هل هي المنازعات التي تتعلق بأعمال السيادة فقط؟ اما المنازعات الناشئة عن اتفاقيات ابرمت او نفذت في مصر؟ فإذا كان المقصود هي منازعات السيادة المطلقة فلا ريب في ذلك ونكون بصدد مبدأ قضائيا سباقا في المنطقة العربية ككل واما ان كان المقصود بها تلك الدعاوي الناشئة عن الاتفاقيات التي ابرمت او نفذت في مصر فستكون خطوة ايجابية نحو الاتجاهات القضائية الدولية السائدة.
الحكم/
((وحيث إن النعى فى أساسه غيـر سـديد ، ذلـك أن الـنص فـى المـادة ٣٢مـن قـانون المرافعـات علـى أن “تخـتص محـاكم الجمهوريـة بالفصـل فـى الـدعوى ولـو لـم تكـن داخلـة فـى اختصاصـها طبقـاً للمـواد السـابقة إذا قبـل الخصـم ولايتهـا صراحة أو ضمناً” مفاده أن المشرع أضاف لحالات ضوابط اختصاص المحاكم المصـرية بنظـر الـدعاوى، ضـابطاً آخـر هـو “ضـابط إرادة الخصـوم” ذلـك عنـدما يتفقوا صراحة أو ضمنا على قبول ولاية القضـاء المصـرى لنظـر النـزاع حـال أن النزاع غير خاضع فى الأصل لاختصاص محاكمها وفقا للضوابط الـواردة علـى ســبيل الحصـــر فــى المـــواد مـــن ٢٨ وحتــى ٣١ مـــن القــانون الســـالف ،
وهـــو المعروف “بالخضوع الاختيارى للقضـاء الـوطنى” ، إلا أن المشـرع لـم يواجـه أثـر الاتفــاق الســالب للاختصــاص عنــدما يتفــق الأطــراف علــى الخضــوع اختياريــا لقضاء دولة أجنبية رغم اختصاص المحاكم الوطنية بالنزاع ، وهو ما يؤدى إلى تخلـى هـذه المحـاكم عـن نظـر الـدعوى . إلا أن هـذا السـكوت لا يمكـن اعتبـاره رفضــا مــن المشــرع وتمســكه باختصــاص المحــاكم الوطنيــة ، ذلــك أن المشــرع المصرى سبق وأن أخذ بمبـدأ قبـول التخلـى عـن اختصـاص محاكمـه – للـدعاوى التى تدخل فى اختصاصها وفقا لضوابط الاختصاص المنصوص عليها بقـانون المرافعات – فى حالة اتفاق الاطراف علي التحكيم سواء فـى مصـر أو خارجهـا والتـى يتعـين معـه أن تقضـى المحكمـة بعـدم قبـول الـدعوى لسـابقة الاتفـاق علـى التحكـيم ،
بالإضـافة إلـى أن المشـرع اسـتثنى فـى المـادتين و ٢٨ ٢٩ مـن قـانون المرافعات الحالى الدعاوى العقارية المتعلقة بعقـار يقـع فـى الخـارج مـن الخضـوع لاختصاصـه ولـو أقيمـت الـدعوى علـى المصـرى أو الأجنبـى لاعتبـارات تتعلــق بمبـدأ الملاءمـة ، إلا أن قبـول القضـاء الـوطنى التخلـى عـن اختصاصـه لصـالح قضاء دولـة أخـرى بنـاء علـى اتفـاق الأطـراف وفـق مـا سـلف يفتـرض أن يتصـف النـزاع بالصـفة الدوليـة وأن يكـون تخلـى المحـاكم المصـرية عـن اختصاصـها لا يمـس بالسـيادة المصـرية أو النظـام العـام فـى مصـر ، فضـلا عـن ضـرورة وجـودرابطــة جديــة بــين النــزاع المطــروح ودولــة المحكمــة التــى اتفــق علــى الخضــوع لولايتهــا وأن يقــر القــانون الأجنبــى ســلامة الاتفــاق المــانح للاختصــاص تلافيــ التنازع الاختصاص إيجاباً أو سلباً ، وأن تقدير توافر الضوابط سـالفة الـذكر ممـا يـدخل فـى تقـدير محكمـة الموضـوع الخاضـع لرقابـة محكمـة الـنقض .
لمـا كـان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن كلا الطـاعنين والبنـك المطعـون ضـده سـبق أن اتفقوا على خضوع الاتفاقـات المبرمـة بيـنهم موضـوع النـزاع لاختصـاص محكمـة جيرســى – جزيــرة شــانيل – وقوانينهــا “وهــى مســألة ليســت محــل خــلاف بــين أطرافه”، وكان الثابـت مـن مطالعـة الحكـم الصـادر مـن المحكمـة العليـا بنيويـورك وترجمته الرسمية المقدم من الطـاعن فـى الطعـن رقـم ١٥٨٠٨ لسـنة ٨٠ . ق أن كلا الطاعنين فى الطعنين سبق أن أقاما دعوى ضد البنـك المطعـون ضـده عـن ذات الاتفاقات موضوع النزاع أمام المحكمة العليـا بولايـة نيويـورك الأمريكيـة فـى غضون عام ١٩٩٩ وقضى فيهـا بتـاريخ الأول مـن أغسـطس سـنة ٢٠٠٠ بعـدم اختصــاص المحكمــة واختصــاص محكمــة جيرســى – جزيــرة شــانيل – بنظــر النــزاع،
كمــا أن الثابــت مــن الأوراق أن الطــاعن ســالف الــذكر اتفــق مــع البنــك المطعون ضده عن نفسه وبصفته وكـيلا عـن شـقيقته الطاعنـة فـى الطعـن الأول أن يقوم البنك بسحب مبالغ من حسابهما لدى بنك كريـدى سـويس بزيـورخ بدولـة سويسـرا بنـاء علـى تلـك الاتفاقـات مقابـل تسـهيلات تتـيح لهمـا التعامـل والمتـاجرة فى العملات الأجنبية من خلال فـرع البنـك بجيرسـى – جزيـرة شـانيل – وغرفتـى البنك التجارية بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ودولة سنغافورة ، بمـا يتصــف معــه النــزاع بالصــبغة الدوليـــة لكــون البنــك المطعــون ضــده أجنبيــاً – أمريكـى – وأن التعـاملات جميعهـا تمـت مـن خـلال البنـك بجزيـرة جيرسـى وفرعيـه بولايـــة نيويـــورك بالولايـــات المتحـــدة الأمريكيـــة ودولـــة ســـنغافورة خـــارج الإقلـــيم المصـرى
فضـلاً عـن انتفـاء الرابطـة الجديـة الوثيقـة بـين النـزاع والإقلـيم المصـرى بمــا لا يهــدد ســيادته وارتباطــه جــدياً بدولــة المحكمــة التــى اتفق علي الخضوع لولايتـه -جزيــرة جيرســى – باعتبارهــا المحكمــة الأكثــر ملاءمــة لنظــر النــزاع وتفعيلا لمبدأ قـوة نفـاذ الأحكـام ، سـيما أن القضـاء الأمريكـى فـى الحكـم الصـادر من المحكمة العليا بولايـة نيويـورك أقـر اختصـاص محكمـة جزيـرة جيرسـى بنظـر النزاع ونفاذ قوانينها فى مواجهة تلك الاتفاقات والتعاملات،
لما كان ذلـك وكـان الحكـم المطعـون فيـه قضـى بعـدم اختصـاص المحـاكم المصـرية بنظـر الـدعويين الأصلية والفرعية لسبق اتفاق كلا الطاعنين والبنك المطعون ضده على خضوع الاتفاقــات المبرمــة بيــنهم محــل المنازعــة للاختصــاص القضــائى وقــوانين جزيــرة جيرسـى فضـلا عـن أن البنـك المطعـون ضـده لا يمـارس نشـاطا مصرفيا بمصر وفق كتاب البنك المركزى المشار إليه سلفاً واذ خلص الحكم المطعون فيه لهذه النتيجة الصحيحة ، فإنه لا يعيبه ما وقع فى أسبابه من تقريرات قانونية خاطئـة مادامــت لا تنــال أو تــؤثر فــى ســلامة النتيجــة التــى انتهــى إليهــا ،
إذ لمحكمــة الــنقض تصــحيح مــا وقــع فيــه مــن خطــأ دون أن تنقضــه مــن اعتبــار المطعــون ضده الأول فى الطعن رقم ١٥٨٠٧ لسنة ٨٠- ق الطاعن فى الطعـن الثـانى خصماً غير حقيقى فى الدعوى حال كونه خصماً وجهت إليه طلبات موضوعية فى الدعوى، كما أنه لا ينال من ذلك ما أورده الطاعن فى الطعن رقم ١٥٨٠٨لسـنة ٨٠ق بمـذكرة دفاعـه المودعـة رفـق طعنـه بخطـأ الحكـم فـى تطبيـق القـانون
بعـدم إحالـة الـدعوى لجهـة القضـاء المختصـة ، إذ أنـه مـن المقـرر – فـى قضـاء هـذه المحكمـة – أن مـؤدى نـص المـادة ١١٠ مـن قـانون المرافعـات أن الإحالـة تكون فى الاختصاص الداخلى أى المنازعـات المـرددة بـين جهـات القضـاء علـى
اختلاف درجاتها وأنواعها ، فإذا تعلق الأمر باختصاص دولـى فـلا تـتم الإحالـة، الأمر الذى يضحى النعى على الحكم المطعون بما سلف على غير أساس .
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
الطعنان رقما 15807، 15808 لسنة 80 ق جلسة 24/3/2014