إجراءات طلب اليمين والآثار المترتبة على الإمتناع عنها.
حَلف اليمين أمرٌ له خطورته، فمَن حلَف صادقًا، فلا تثريبَ عليه، وأمَّا مَن حلَف كاذبًا، فقد أوقَع نفسه في وعيد شديدٍ، ففي الصحيحين عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن اقتطَع حقَّ امرئ مسلمٍ بيمينه، فقد أوجَب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة))، فقال له رجلٌ: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله، قال: ((وإن قضيبًا من أراك))، وفي الصحيحين أيضًا عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حلَف يمينَ صبرٍ؛ ليَقتطع بها مال امرئ مسلمٍ، لَقِي الله وهو عليه غضبان)).
فمَن منَّا يُطيق غضب الجبار – جلَّ جلاله؟!
ولنَعلم أيها الأفاضل أنَّ متاع الدنيا قليل، ومهما حازَ منها الإنسان، فهي إلى زوال، فلماذا يَقدَم عبدٌ من عباد الله على حَلفِ اليمين كذبًا وزورًا؛ ليَقتطع مال أخيه، وإنَّ لنا في الحلال لغُنيةً عن الحرام، نسأل الله تعالى أن يُغنينا بحلاله عن حرامه.
ولنَعُد أيها الأفاضل إلى ما حواه نظام المرافعات في فصله المُخصَّص لليمين؛ لنَستعرض أبرز ما ورَد فيه حول اليمين وإجراءات طلبها وبَذْلها، وما الأثر المترتب على الامتناع عنها حال وجوبها.
جاء في المادة السابعة بعد المائة من نظام المرافعات: “يجب على مَن يوجِّه لخَصمه اليمين، أن يُبيِّن بالدِّقة الوقائع التي يُريد استحلافه عليها، وعلى المحكمة أن تعدَّ صيغة اليمين اللازمة شرعًا”.
وبيَّنت اللائحة التنفيذيَّة للمادة أنه ليس للخَصم توجيهُ اليمين لخَصمه على وقائع لا علاقة لها بالدعوى المنظورة لدى المحكمة.
وأنَّ اليمين التي يَحلفها الخَصم دون طلب خَصمه، أو إذن القاضي – لا يُعتدُّ بها.
وأنَّ للقاضي أن يُوجِّه يمينَ الاستظهار وما في حُكمها لأحد الخَصمين عند الاقتضاء، ولو لَم يَطلب الخَصم ذلك.
والمقصود بيمين الاستظهار: تحليف المدَّعي مع البيِّنة بلا طلب المدَّعى عليه؛ إمَّا لكون المدَّعى عليه تَرِكة ميِّت، أو غائبًا.
ففي دعوى الدَّيْن على الميِّت: يَحلف المدَّعي مع البيِّنة بلا طلب المدَّعى عليه، بأن يقول له القاضي: احْلِف بالله ما استَوْفَيت من المديون، ولا من أحدٍ أدَّاه إليك عنه، ولا قبَضه له قابضٌ بأمْرك، ولا أبْرَأْتَه منه.
ولَمَّا كان توجيه اليمين متوقِّفًا على طلب المدَّعي وإذن القاضي، فإن للقاضي رفْضَ توجيه اليمين إذا ظهَر عدمُ أحقيَّة طالبها؛ إذ إن بعض المتخاصمين يَطلب تحليف خَصمه على كلِّ شيء وفي كلِّ وقتٍ من جلسات التقاضي، وهذا أمرٌ إجرائي يَخضع لتقدير القاضي، فهو العارف بوقت بَذْل اليمين وكيفيَّة بَذْلها.
فإذا أعدَّ القاضي صيغة اليمين اللازمة، عرَضها على الخَصم، وخوَّفه من عاقبة الحلف الكاذب قبل أدائها، وعلى القاضي تدوين صيغةِ اليمين وحلفِها في ضَبْط القضيَّة وصَكها.
وفي المادة الثامنة بعد المائة بيان مكان بَذْل اليمين، ونصها: “لا تكون اليمين ولا النُّكول عنها، إلاَّ أمام قاضي الدعوى في مجلس القضاء، ولا اعتبار لهما خارجه، ما لَم يوجد نصٌّ يخالف ذلك”.
والمقصود بالنص المخالف لِما جاء في هذه المادة، هو ما أُشير إليه في المادة (110) الآتي نصُّها بعد قليل، وذلك فيما إذا كان لِمَن وُجِّهت إليه اليمين عُذرٌ يَمنعه عن الحضور لأدائها.
وفي المادة التاسعة بعد المائة بيان وجوب الامتثال عند طلب الحضور لبَذْل اليمين، ونصها: “من دُعِي للحضور للمحكمة لأداء اليمين، وجَب عليه الحضور، فإن حضَر وامتنَع دون أن ينازعَ من وُجِّهت إليه اليمين؛ لا في جوازها، ولا في تعلُّقها بالدعوى، وجَب عليه – إن كان حاضرًا بنفسه – أن يَحلفها فورًا أو يردَّها على خَصمه، وإن تخلَّف بغير عُذرٍ، عُدَّ ناكلاً كذلك”.
وأوضَحَت اللائحة التنفيذية أنه لا يُعَد الممتنع عن أداء اليمين ناكلاً؛ حتى يُنذر ثلاث مرات، ويُدوَّن ذلك في الضبط.
وأنه إذا حضَر الخَصم ونازَع في جواز اليمين، كأن يكون الدَّين لإثبات رِبًا أو قمارٍ، أو نازَع في تعلُّقها بالدعوى، لَزِمه بيان ذلك، فإن لَم يَقتنع القاضي بذلك، أنذَره ثلاثًا، فإن حَلَف وإلاَّ عُدَّ ناكلاً.
وللقاضي إمهال مَن توجَّهت عليه اليمين عند الاقتضاء.
وفي المادة العاشرة بعد المائة: “إذا كان لِمَن وُجِّهت إليه اليمين عُذرٌ يَمنعه عن الحضور لأدائها، فيَنتقل القاضي لتحليفه، أو تَندب المحكمة أحدَ قُضاتها أو الملازمين القضائيين فيها، فإذا كان مَن وُجِّهت إليه اليمين يُقيم خارج نطاق اختصاص المحكمة، فلها أن تَستخلف في تحليفه محكمةَ محلِّ إقامته، وفي كلا الحالين يُحرَّر محضر بحلف اليمين، يوقِّعه الحالف والقاضي المستخلف أو المندوب، والكاتب ومَن حضَر من الخصوم”.
وأوضحَت اللائحة التنفيذية أنه إذا امتنَع مَن وُجِّهت إليه اليمين عن أدائها، فيُنذر ثلاثًا، ويُحرَّر محضر بذلك، ويُعاد إلى ناظر القضيَّة لتقرير ما يَلزم شرعًا.
وبيَّنت المادة الحادية عشرة بعد المائة من نظام المرافعات، وجوب أداء اليمين في مواجهة طالبها، ونصُّها : “يجب أن يكون أداء اليمين في مواجهة طالبها، إلاَّ إذا قرَّر تنازله عن حضور أدائها، أو تخلَّف دون عُذرٍ مقبول مع علمه بالجلسة”.
وأوضَحت اللائحة التنفيذية أنَّ أداء اليمين لدى المحكمة التي تَنظر الدعوى أو المحكمة المستخلَفة، أو خارجَ مجلس القضاء – يكون في مواجهة طالبها، إلاَّ إذا قرَّر تنازله عن الحضور، فإذا قرَّر تنازله عن الحضور، دُوِّن ذلك في الضبط.
وتقرير لزوم بَذْل اليمين في مواجهة طالبها وأمام القاضي – مبدأ أصيل في القضاء الإسلامي وأنظمة المرافعات؛ لِما فيه من تأكيد مبدأ العلانية، وبناء الأحكام القضائيَّة على البيِّنات، ولأن لبَذْل اليمين دورًا مؤثِّرًا في إثبات الحقِّ أو نَفْيه، فاستلزَم ذلك ضبطَ اليمين من قِبَل القاضي وحضورَ طالب اليمين؛ ليطمئنَّ إلى إجراءات التقاضي، ويسمعَ بنفسه اليمين من باذلها.